عادل ياسين عادل ياسين

بصراحة مهمات آنية أمام النقابات

بدأت النقابات تدق ناقوس الخطر الذي يتهدد الحركة النقابية بمجملها، حيث لا يخلو اجتماع، أو مؤتمر من الإشارة إلى هذا الخطر المتمثل بالنزيف الحاصل في اليد العاملة، في شركات ومعامل القطاع العام، لأسباب عدة منها الخروج على المعاش، الاستقالة، التسرب، أو الوفاة. بالإضافة لعدم قيام الحكومة بالاستثمار في القطاع العام، وإنشاء معامل جديدة، مما يعني تناقصاً في عدد العمال المنتسبين للنقابات، وهذا يؤثر باتجاهين: الأول تقلص الموارد المالية الآتية من اشتراكات العمال، والثاني الضعف التنظيمي للحركة النقابية، حيث دعا هذا إلى الطرح المستمر بضرورة التوجه إلى عمال القطاع الخاص، الذين يزدادون عدداً نتيجة التوسع في استثمارات القطاع الخاص، الذي أدى إلى نشوء تجمعات عمالية هامة في المعامل الجديدة، والمدن الصناعية التي أُنشئت مؤخراً في بعض المدن السورية.

إن الحركة النقابية تواجه في آن واحد مهمتين صعبتين على الصعيد العمالي، من المفترض التصدي لهما معاً، والتراجع في واحدة منهما يعني إضعاف الحركة النقابية، كحركة مدافعة عن مجمل حقوق الطبقة العاملة السورية ومكتسباتها.

ـ المهمة الأولى: الدفاع عن أجور عمال القطاع العام، بعد أن بدأ تصاعد الهجوم على أجورهم في بعض الشركات الموصوفة بأنها (خاسرة)، بينما هي متوقفة عن العمل، والتي لا قدرة لها على دفع أجور عمالها إلى ما لا نهاية، وفقاً للقانون المالي الجديد، والجاري تطبيقه من بداية العام الحالي، وهذا الهجوم مرشح للتصاعد بسبب وجود الكثير من الشركات (الخاسرة)، وخاصة في قطاع النسيج، فمثلاً في دمشق يوجد ثماني شركات نسيج، ست شركات منها خاسرة بناء على بيانات رسمية، مما يعني إن ألوف من العمال سيحرمون من أجورهم، والحكومة في هذا تطبق المثل الشعبي القائل (ما قدر على حماته فجاء على امرأته)، لم تستطع الحكومة مواجهة الفساد الذي أوصل هذه الشركات إلى وضعها الحالي، فأخذت تعتدي على أجور العمال باعتبارهم الحلقة الأضعف إلى الآن، في العملية الإنتاجية (الرأسمال، البضاعة، قوة العمل)، وبهذا الفعل وُضِعت الحركة النقابية أمام تحدٍ صعب، وهو الدفاع عن حقوق العمال، بأجورهم ومكتسباتهم، التي كفلها لهم الدستور السوري حسب المادة /36/:

1ـ العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لكل المواطنين.

2ـ يحق لكل مواطن أن يتقاضى أجره حسب نوعية العمل ومردوده، وعلى الدولة أن تكفل ذلك.

إذاً فالمادة /36/ لم تشر إلى عدم دفع أجور العمال في حال معاملهم وشركاتهم مخسَّرة، والفساد عاث فيها خراباً، ولا ذنب للعمال فيما حصل، وهذا يضع الحركة النقابية أمام خيارين، أحلاهما مر، بالنسبة لها، إما الدفاع عن أجور العمال وحقوقهم الأخرى، ومواجهة مشروع الفريق الاقتصادي التدميري للقطاع  العام الصناعي، وبهذا تكسب الحركة النقابية الطبقة العاملة إلى جوارها، وتعزز قوتها، ويزداد الالتفاف العمالي حولها، وبذلك تقطع الطريق على ذاك المشروع الذي سيدمر ما بناه شعبنا والطبقة العاملة السورية، من عرقها ودمها خلال عقود. والخيار الثاني هو استمرار التوافق مع الحكومة على أساس المشاركة في صياغة قراراتها والمسؤولية المشتركة معها بهذه القرارات، وهذا يؤدي إلى ضعف الالتفاف العمالي حولها، لأن تلك القرارات والإجراءات تخسّر الطبقة العاملة حقوقها ومكاسبها، والمطلوب عمالياً هو الحفاظ عليها، وهذا لن يحصل إلا بالتلاحم الحقيقي مع الطبقة العاملة، ونقلها من حالة التلقي إلى حالة الفعل، ويصبح مفهوماً ما طرح في اجتماع مجلس اتحاد عمال دمشق الأخير حول ضرورة تعزيز العمل القاعدي بين اللجان النقابية والعمال، وبين النقابة واللجان النقابية، وستكون هذه نقلة نوعية بالاتجاه الصحيح، اتجاه الدفاع عن حقوق العمال ومكتسباتهم، إن توبعت وطورت بما يلزمها من أدوات وآليات عمل. ولنا في التجربة المصرية ما نستفيد حيث تخوض الطبقة العاملة المصرية نضالها البطولي دفاعاً عن حقوقها في مواجهة الخصخصة والليبرالية الجديدة، التي رهنت مصر كلها للمصالح الأمريكية والصهيونية، وقوى السوق الكبرى.

ـ المهمة الثانية: وهي مرتبطة بالأولى من حيث تعزيز قوة الحركة النقابية التنظيمية، وسد النزيف الحاصل فيها، ودون انجازها لا يمكن الخروج من عنق الزجاجة، لقد كان توجه النقابات بشكل أساسي إلى عمال القطاع العام، حيث كان مهيمناً وسائداً اقتصادياً، ما طبع النقابات بطابعه فكراً وممارسةً، بينما عمال القطاع الخاص لم يجر الاهتمام بهم بالشكل الكافي، وهذا ما حوّل العلاقة معهم إلى أزمة يجري البحث عن حل لها، جوهر هذا الحل مرهون بالمفاوضات المزمع إجراؤها مع أرباب العمل للسماح للنقابات بتنسيب العمال، مع الوعد بتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية كعامل جذب للعمال إلى النقابات، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تجدي هذه الخطوة في إقناع أرباب العمل بدفع حقوق العمال التي نص عليها قانون العمل؟! ومنع تسريح العمال على أساس الاستقالات المسبقة، وتشغيل العمال ثماني ساعات فقط، وعدم تشغيل الأطفال، وزيادة أجور العمال الدورية أو الطارئة، وتحسين شروط العمل، وتنسبيهم للتأمينات... إلخ!!

التجربة الطويلة معهم تقول عكس ذلك، ومن الأجدى البحث عن وسيلة أخرى مع المفاوضات.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.