بصراحة: حوار منضبط حول قانون العمل الجديد
دخلت قاسيون في حوار مطول حول قانون العمل الجديد رقم /17/ مع أحد المهتمين بقضايا الطبقة العاملة السورية، من أجل قراءته من وجهة نظر قانونية وحقوقية، خصوصاً أن صديقنا هذا باحث وله مساهمات عدة في نقد بعض ما جاء في قانون العمل الجديد، وقد دعا لتعديل بعض مواده لمخالفتها لأصول المحاكمات السوري وتعارضها مع التصنيف الذي نص عليه القضاء السوري في تشكيل المحاكم.
كان الحوار منذ بدايته منضبطاً، ولم يتجاوز أية خطوط حمراء.. حاولنا مراراً تجاوزها دون جدوى، فبقي الحديث محصوراً في بعض مواد القانون وضرورة تعديلها بما يتوافق مع أصول المحاكمات السوري، لأنه في حال بقاء هذه النصوص على ما هي عليه ستخلق إشكالات لا حصر لها، وستتسبب في ضياع حقوق العمال المتخاصمين مع أرباب العمل، وكأن هذه النصوص قد وضعت بهذا الشكل لهذه الغاية.. (أي تضييع حقوق العمال وتخسيرهم إياها).
والسؤال الأهم الذي لم يستطع ذاك الحوار الإجابة عليه هو: كيف سيجري تعديل تلك النصوص القانونية فيما يتعلق بأصول المحاكمات، وغيرها من النصوص التي رهنت مصير ملايين من العمال بإرادة أرباب العمل، وجعلتهم عراة الصدر والظهر أمام آلاف الأسلحة الفتاكة التي يملكها أرباب العمل متمترسين بقوة القانون ورأس المال أيضاً؟!
من المهم جداً تفنيد النصوص القانونية، والبحث عميقاً فيها، وإلى ما ترمي إليه كل كلمة لرؤية مدى تعبيرها عن مصالح أي طرف من الأطراف أكثر، ممن لهم علاقة بتطبيق النصوص القانونية، ولكن الأهم من ذلك ضرورة البحث بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أنتجت هذا القانون، وأخرجته من دهاليز مجلس الشعب على هذه الصورة (السوداوية)، لأن وعينا لهذه الظروف، أي (موازين القوى)، يترتب عليه الطريقة التي سيجري بها النضال من أجل التغيير المنشود في تلك النصوص، طالما معظم القوى السياسية الوطنية في البلاد متفقة من حيث المبدأ على أن هذا القانون متعارض مع مصلحة وحقوق الطبقة العاملة، ولهذا لابد من النضال لتعديل نصوصه بما يتوافق مع مصلحة العمال وحقوقهم المكتسبة.
لقد عبّر ممثلو الحكومة وأرباب العمل بوضوح عن أن القانون جاء مكملاً لقوانين الاستثمار، ومشجعاً المستثمرين على الاستثمار في سورية، وبالتالي فإن هذا القانون بنصوصه ومواده وروحه، يخدم من جاء لأجلهم، ولا يغير من هذه الصورة في بعض جوانبها النصوص والمواد التي تشير إلى ضرورة تسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية وغيرها، لأن هذه التأكيدات كمن يذر الرماد في العيون، ويجعل الرؤية ضبابية غير واضحة، فالقانون جوهره تلك المواد التي تعطي أرباب العمل والمستثمرين الحرية الكاملة في تسريح العمال، وبالمقابل تحرم العمال من أية إمكانية للدفاع عن حقوقهم، وعلى رأسها حقهم بالعمل واستمرارهم فيه.
إن معركة تعديل أو تغيير هذا القانون هي جزء من المعركة الوطنية التي من المفترض بالقوى الوطنية خوضها داخلياً ضد النهب والفساد والتفريط بالقطاع العام، وتسليم المواقع السيادية فيه (المطارات، الموانئ، الكهرباء) للقطاع الخاص وللاستثمار الخارجي، وهذا يتطلب سياسياً واجتماعياً حشد كل القوى الشريفة لمناهضة المشروع الليبرالي وإفشاله، وهو الذي يسير قدماً، ويستولي على قلاعنا الداخلية الواحدة تلو الأخرى، حيث يعني هذا تجريد الوطن من عوامل الصمود التي جعلت كل أشكال العدوان السابقة تفشل في تحقيق أهدافها.
إن الطبقة العاملة السورية تعيش الآن حالة مخاض، وهذا المخاض سيكون عسيراً إذا تركت وحيدة تصارع من أجل حقوقها ومصالحها، والمطلوب وطنياً، النضال معها وفي مقدمتها دفاعاً عن كرامة الوطن وكرامتها.