أعد الصفحة: علي نمر أعد الصفحة: علي نمر

«تجاوزات» قانون العمل الجديد من وجهة نظر القانونيين..

يبدو أن الطبقة العاملة السورية وتنظيمها النقابي ستذرف دموع الندم على القانون 91 لعام 1959 وتعديلاته، الذي كان من أهم التشريعات الاجتماعية التي نظمت علاقات العمل بين العامل ورب العمل. وعلى الرغم من اتفاق الجميع على ضرورة إجراء تعديلات عليه نظراً للتطورات الاجتماعية والاقتصادية، والتغييرات التي حصلت في بنية الاقتصاد السوري خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة التحول إلى اعتماد سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي التي أقرت في المؤتمر القطري العاشر، ولكن المطالبة بالتغيير كانت دائماً تؤكد على أن  يؤخذ بعين الاعتبار، عند إدخال أي تعديل، ليس الحفاظ على الحقوق المكتسبة للطبقة العاملة فقط، وإنما إضافة مزايا وحقوق جديدة من أجل تحقيقها.

وعندما  طرحت وزارة الشؤون الاجتماعية مشروع قانون العمل الجديد، أثار مناقشات واعتراضات كثيرة بين الوزارة والاتحاد العام لنقابات العمال والمهتمين بالشأن العام وبعض الحقوقيين، الذين تناولوا المشروع من الزاوية القانونية البحتة التي تدحض الكثير من بنود القانون، وكان آخر ما كتب في هذا المجال ما أثاره المحامي فؤاد البني متسائلاً: هل احتاج قانون العمل الجديد إلى تعديل قبل البدء بتطبيقه؟ وما كتبه د. شواخ الأحمد عميد كلية الحقوق بجامعة دمشق في جريدة تشرين بتاريخ 31/8/2010 بعنوان «قانون العمل الجديد رقم 17 لعام 2010 فكر اجتماعي أم فكر تجاري؟».

يقول د. شواخ الأحمد إن «مبدأ العقد شريعة المتعاقدين يبنى على أساس التوازن بين عاقديه في جميع العقود، ويكون كل طرف في العقد نداً للآخر، ويرتب حقوقاً وواجبات بينهما، في حين أن تطبيق هذا المبدأ على عقد العمل يجرد العقد من هذا التوازن، خاصة مع وجود نص يجيز لرب العمل تسريح العامل دون بيان الأسباب، ويتحول هذا العقد إلى عقد إذعان بدلاً من العقد شريعة المتعاقدين، ويفقد الندية، وقد يؤدي هذا الحق الممنوح لرب العمل إلى الإساءة والتعسف في استعمال هذا الحق» ويضيف الأحمد بأن «المادة 292 من المشروع نصت على أن أحكام هذا القانون تسري على عقود العمل السابقة واللاحقة، وأن الأصل في صدور أي قانون أن تطبق أحكامه من تاريخ صدوره، ولا تسري على الأوضاع القانونية السابقة التي نظمت وفق قانونها، وهذه المادة مخالفة لمبدأ عدم رجعية القوانين، والمطلوب إلغاء هذه المادة واقتصارها على تطبيق هذا القانون من تاريخ صدوره«.. ألا يؤكد هذا أنه ليس بإمكان أي عامل في ظل القانون الجديد أن يثبت العقد في حال عدم كتابته؟ وهناك سؤال آخر: كم عامل سيخسر حقوقه جراء هذا القانون؟.

أما المحامي فؤاد البني، وحين سألناه: لماذا تصر على أن القانون الجديد احتاج لتعديل قبل تطبيقه؟ فرد بالقول: كان إصراري منذ البداية أن أتناول القانون من زاويته القانونية البحتة، ومن هنا فإنني أؤكد أن القانون الجديد احتاج لتعديل قبل تطبيقه لأن المادة /205/ من قانون العمل رقم 17/2010 تنص على «إحداث محكمة بداية في مركز كل محافظة، تؤلف من قاض، وعضوية ممثل عن التنظيم النقابي، وممثل عن أصحاب العمل، حسب مقتضى الحال».

إن تشكيل المحكمة وفق النص الوارد مخالف لنص المادة /40/ من قانون السلطة القضائية التي تنص على أن محكمة البداية تؤلف من قاض منفرد يدعى القاضي البدائي. وبالتالي فإن محكمة البداية وفق النص المذكور ينطبق عليه وصف لجنة قضائية (كلجان قضايا التسريح الملغاة، وإزالة الشيوع، وتحديد أجور العمل الزراعي)، مما يتطلب إعادة تكييف هذا النص مع نص قانون السلطة القضائية.

 وعن علاقة السلطة القضائية بهذه المادة، أكد البني أنه «لتجنب هذه المشكلات والتساؤلات وغيرها نرى إعادة النظر بنص المادة /278/ من القانون 17/2010 وأن يعاد الاختصاص إلى محكمة الصلح للبت بالدعاوى المنظورة أمامها بتاريخ نفاذ هذا القانون مستمراً حتى صدور الحكم النهائي بها، وذلك بمختلف درجات التقاضي (صلح - استئناف - طعن نفعاً للقانون).

وإعادة النظر بالمادة /205/ من القانون نفسه بما يتناسب مع المادة /40/ من قانون السلطة القضائية، وإبقاء النظر بقضايا العمال من اختصاص محكمة الصلح بما يتوافق مع نص المادة /63/ من قانون أصول المحاكمات، ويوسع دائرة التقاضي ويوفر على المتقاضين الوقت والجهد والمال ويؤمن سرعة البت بالدعاوى».

- ألا توافقنا الرأي أن النص خلا من الإشارة إلى الدعاوى المنظورة أمام محاكم صلح العمل، بينما أناط القانون صلاحية النظر في المنازعات العمالية بمحكمة البداية المشكلة وفق نص المادة /205/؟.

- البني: نعم هذا صحيح  أن توقف محاكم الصلح عن النظر في هذه الدعاوى طرح مجموعة كثيرة من المشكلات والتساؤلات ومن يرى في نفسه القدرة على الإجابة عليها قانونياً «فلينورنا» سواء من الوزارة أو ممن عملوا على مشروع القانون أو إدارة التشريع في وزارة العدل، وسأذكر هنا أهم نلك الخلافات والمسائل المهمة منها: الصيغة القانونية والقرار الصادر بشأن نقل هذه الدعاوى من ديوان محكمة الصلح إلى ديوان محكمة البداية، وسجل الأساس وأرقامه، وترويسة الضبوط ومواعيد الجلسات.

فما هو مدى قوة الإجراءات التي تمت أثناء نظر محكمة الصلح في هذه الدعاوى، كالاستماع إلى الشهود والخبرات الطبية والحسابية والكشوف التي جرت عندما تضع محكمة البداية يدها على هذه الدعاوى، لاسيما أن محكمة البداية مؤلفة من قاض وممثلين عن القطاع الخاص والنقابات؟ أم أن هذه المحكمة بقوامها الجديد لا تقبل (ومن حقها أن لا تقبل) هذه الإجراءات، وتطلب إعادة النظر فيها من جديد بعد أن استغرقت سنوات عدة للوصول إلى هذه المرحلة من التقاضي؟ مع العلم أن هناك استحالة في إعادة سماع بعض الشهود لأسباب عديدة، كالسفر والوفاة وما إلى ذلك.

والأهم من هذا ما هو مصير الدعاوى المنظورة حالياً أمام محكمة الاستئناف ومحكمة النقض في دعاوى الطعن نفعاً للقانون في حال فسخ أو نقض بعض هذه القرارات؟

وما هو مصير الدعاوى التي أصبحت جاهزة للفصل فيها بعد الانتهاء من كل الإجراءات واختتام المرافعة فيها؟ وهل من صلاحية محكمة البداية إصدار القرار في مثل هذه الدعاوى؟

هناك عدد من الأحكام صدرت عن محكمة الصلح واكتسبت الأحكام الدرجة القطعية، واحتاجت هذه الأحكام إلى تفسير. وبعض هذه الأحكام منظور أمام محكمة الصلح حالياً، فهل ينعقد الاختصاص في تفسير هذه الأحكام إلى محكمة البداية؟

- أنت تصر إذاً على أن المشرع لم يلتزم بالقانون المذكور في حماية العمال؟

-  نعم والدليل ما جاء في الفقرة (آ- ب) من المادة 47 وما يتعلق بتحرير عقد العمل.

رغم كل هذا أصرت الوزارة على تبني مشروعها، بعد المعارضة الشديدة له من القوى الوطنية والعمال، وحتى الآن لم يصدر من تعليماته التنفيذية إلا الجزء البسيط ، والسؤال من سيحمي الحقوق المكتسبة التي حققتها بعرق جبينها؟.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.