السكن العمالي حلم بعيد المنال: مصفاة بانياس نموذجاً
يعتبر السكن في سورية من أكثر الأزمات استعصاءً على الحل، على الرغم من وجود إمكانيات حقيقية لحلها لو توفرت لدى الحكومة النية والقرارات الناظمة لها، حيث يعاني من الأزمة السكانية هذه الغالبية العظمى من الشعب السوري، وما انتشار العشوائيات على أطراف المدن الرئيسية إلا تأكيداً على استفحال أزمة السكن، والتي يضطر المواطنون الفقراء ومتوسطي الدخل للجوء إلى هذه العشوائيات التي تفتقر لأدنى شروط السكن الصحي، المفترض توفرها في السكن الإنساني، بسبب الكثافة العمرانية وتقارب الأبنية وعدم توفر شروط الأمان في البناء، من أساسات وأعمدة مدروسة ومناسبة للبناء المشاد، هذا كله بفعل الاستغلال البشع لتجار البناء لحاجة الفقراء للسكن وبعض التواطؤ الرسمي معهم من خلال الفساد والنهب المستشريين في البلديات، التي من المفترض أنها مسؤولة عن قمع مخالفات البناء وعدم السماح بإشادة أبنية غير آمنة، مما يعرض هذه الأبنية وقاطنيها لمخاطر حقيقية سيدفعون ثمنها، وأغلبهم من العمال الذين يعملون في المراكز والشركات والمعامل القريبة من المدن الرئيسية.
إن وجود السكن العمالي بحد ذاته هو مكسب للطبقة العاملة لابد من النضال من أجل الحفاظ عليه وتطويره، وتخليصه من أشكال الاستغلال والفساد، ولكن كالعادة التي أصبحت مقوننة، فإن قوى الفساد تعمل على إجهاض كل ما هو مكتسب للعمال، وبأشكال مختلفة، منها الحصول على حصص، دون وجه حق، في هذه المساكن المخصصة للعمال، ومنها ما يرد في التعليمات التنفيذية التي تصدرها الجهات الوصائية من أجل الحصول على سكن عمالي.
إن تجربة السكن العمالي كان يمكن لها أن تحل أزمة السكن للعمال الشباب وغير الشباب من خلال استثمار الأموال الطائلة في صناديق النقابات وفي صناديق التأمينات الاجتماعية، التي هي أموال العمال الخاصة، والذين هم الأحق باستثمارها بما يعود عليهم بالفائدة والاستقرار، عوضاً عن استثمارها في مجالات عمل مجهولة النتائج أو بدلاً من أن تستولي عليها الحكومة، كما فعلت بأموال التأمينات التي من الواجب إعادتها مع فوائدها إلى صناديق التأمينات، عوضاً عن استخدامها في مشاريع ينهبها السماسرة والمتنفذون.
فالسكن الآمن يعني الاستقرار والطمأنينة وهذا ما يجب توفيره للعمال في القطاع العام وعمال القطاع الخاص المحرومين من حق تملك السكن العمالي، مع أن شروط الانتساب للنقابات واحدة وشروط الانتساب للتأمينات واحدة، وعمال القطاع الخاص المشتركون في التأمينات والنقابات يدفعون ما يترتب عليهم مثلهم مثل عمال القطاع العام، فلماذا الكيل بمكيالين؟ وهل هذا يشجع العمال في القطاع الخاص، وهم محرومون من حقهم في السكن أو في الحصول على قروض من المصارف، وغيره من الحقوق الأخرى؟!
بالعودة إلى الشروط التي طرحها الاتحاد العام بقرارات رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الإسكان، والتي في أغلبها لا تنطبق على العمال الشباب المحتاجين لسكن لكي يبنوا أسرهم الجديدة، وتحديداً من خلال اعتماد عدد النقاط الواجب أن تتوفر بالعامل الراغب في الحصول على مسكن، مثل سنوات الخدمة وعدد الأولاد والزوجة، وعدم وجود ملكية عقارية أو حتى أسهم قيمتها التخمينية لا تتجاوز الـ20 ألف ليرة سورية، فقد جاء في قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3306 تاريخ 23/5/2009 بعد أن عدّل هذا القرار عدداً من الفقرات من قرار سابق، لتصبح على الشكل التالي: (أن لا يكون مالكاً هو وأولاده القاصرين مجتمعين أو منفردين بتاريخ تقديمه لطلب الاكتتاب لمسكن كامل على وجه الاستقلال، مهما بلغت قيمته التخمينية، أو لأسهم تزيد قيمتها التخمينية عن الـ20 ألف ليرة سورية، في عقارات سكنية، وفق التقديرات الجارية لدى الدوائر المالية).
كان الأجدر تطبيق هذه المعايير على الكثير من المتنفذين والمدراء وغيرهم ممن حصلوا على مساكن عمالية دون وجه حق، فاستفادوا منها في مضارباتهم العقارية كما هو حاصل في عدرا العمالية، حيث ارتفعت أسعار السكن إلى أضعاف قيمتها الحقيقة، بسبب النشاط العقاري للكثير من المسؤولين الذي حصلوا على مساكن.
لقد حرم هذا الشكل من التوزيع الكثير من العمال المستحقين من الحصول على مسكن يؤويهم وعائلاتهم، حيث وُجِد هكذا مشروع لأجلهم، فالعامل المكتتب على سكن وكان يملك عدداً من الأسهم في منزل العائلة، فإن قيمة هذه الأسهم الموزعة على أفراد العائلة وخاصة في القرى والأرياف لا تشكل قيمة تذكر من حيث الملكية العقارية، ولكنها ستؤثر على حق العامل في الحصول على مسكن، وهذا شرط ظالم لا معنى له.
إن نظام الحصص المتبع الآن في توزيع المساكن على الشركات والدوائر غير عادل فهل يعقل أن يتم توزيع 30 ـ 40 مسكناً على شركة تعداد عمالها 3000 عامل، بينما تكون حصة اتحادات المحافظات أضعاف هذا العدد، ومع هذا التوزيع غير العادل في نظام الحصص، فإن المتنفذين وأصحاب الحظوة يشاركون العمال حصتهم من المساكن المخصصة لهم.