بصراحة: الهيئة العامة (مجموع العمال) هي الأساس في العمل النقابي القاعدي
يجري الآن في الأوساط القيادية النقابية نقاش واسع حول تحسين العمل التنظيمي النقابي في الصفوف القاعدية وضرورة إشراك القاعدة العمالية الواسعة في العمل النقابي، بعد تبني نهج اقتصاد السوق «الاجتماعي» حيث يتطلب هذا، كما هو مطروح، الانتقال في العمل النقابي من الشكل القديم الذي مازال سائداً إلى الآن، وخاصة بين صفوف عمال القطاع العام، إلى شكل آخر جديد وآليات عمل جديدة من المفترض أن تلبي متطلبات العمل في ظل المتغيرات الاقتصادية الجارية، والتي كما تطرح الحكومة معتبرةً القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية هي الأساس في تحقيق النمو المطلوب، الذي سيحل الأزمات المتراكمة منذ عقود، ولم تستطع الحكومة إيجاد حلول حقيقية لها، وخاصة الشركات المخسرة والحدية التي بدأت بالتفريط بها وطرحها للاستثمار باعتبار هذه الشركات وعمالها يشكلون عبئاً كبيراً على خزينة الدولة، لا طاقة للحكومة على تحمله، وهذه أهون الحلول وأنجحها (من وجهة نظر الحكومة).
إن ما يجعل النقابات تَطرح الآن ضرورة إيجاد آليات عمل جديدة للعمل النقابي، وخاصة في صفوف القطاع الخاص، أسباب كثيرة منها الزيادة العددية الحاصلة في صفوف عمال القطاع الخاص، نتيجة للمشاريع الخاصة الكثيرة، وأهمها في المدن الصناعية الناشئة مؤخراً، وفي الوقت نفسه تقلص أعداد العمال في القطاع العام لعدم رفد المعامل والشركات بأيدٍ عاملة جديدة وشابة ونزيهة تأخذ على عاتقها قيادة الإنتاج والتسويق بعقلية متطورة، بالإضافة إلى وجود هوة واسعة بين التنظيم النقابي والطبقة العاملة بسبب عدم قدرة النقابات على الدفاع عن مصالح العمال وحقوقهم المكتسبة، تحت عنوان التشاركية مع الحكومة، وأن النقابات والحكومة فريق عمل واحد، وادّعاء أن الحكومة تلبي وتستجيب لكل ما تطرحه النقابات من مطالب عمالية، بينما الحكومة في الحقيقة تشن هجومها الواسع على مكاسب العمال وحقوقهم، وآخرها الموقف من تثبيت عشرات الآلاف من العمال المؤقتين، والشروط التعجيزية التي وضعتها الحكومة على تثبيتهم.
إن وجود الكثير من المطالب العمالية، التي يعكسها النقابيون في المؤتمرات، وتكرار هذه المطالب كل عام وعدم تحقيقيها، يجعل العمل النقابي القاعدي صعباً خاصةً وأن الوضع المعيشي العمالي الذي يتدهور باستمرار بسبب ضعف الأجور وغلاء الأسعار، يجعل الثقة مهزوزة إلى حد بعيد بما تطرحه النقابات من وعود في تحقيق المطالب العمالية التي تزداد يوماً بعد يوم.
السؤال المهم الآن: ما هي الخطوات العملية التي ستقوم بها النقابات لتجاوز أزمة عملها مع القواعد العمالية في القطاعين العام والخاص، ولكل من القطاعين خصوصيته؟
إلى الآن النقابات لم تتوصل إلى أفكار متبلورة وواضحة ومحددة في آليات العمل المفترض إتباعها للوصول إلى القواعد العمالية، هل سيتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة كما هو جارٍ الآن؟ هل بالاتفاق مع أرباب العمل ليسمحوا لهم بالاتصال مع العمال مباشرة لجذبهم للنقابات؟ هل من خلال التوجه المباشر إلى الطبقة العاملة ووضع الأمور أمامها كما هي وتحفيزها للدفاع عن حقوقها مستخدمةً كل الوسائل بما فيها حق الإضراب؟
إن كل طريقة من الطرق التي ذكرناها لها آليتها وأدواتها الخاصة، وقد جربت النقابات في عملها الحوار مع الحكومة والحوار مع أرباب العمل، وكانت النتائج المزيد من الفراق بين القواعد النقابية والحركة العمالية.
إن تجربة الحركة النقابية السورية منذ تأسيسها وإلى مرحلة الستينات تدل على صحة ونجاعة الخيار الثالث، حيث كان الالتحام حقيقياًُ بين القيادات النقابية والقواعد العمالية، وكانت استجابة الحركة العمالية كبيرة لتوجهات القيادة النقابية لأن الطبقة العمالية اختبرت قياداتها عبر المعارك التي كانت تخوضها النقابات والعمال معاً، دفاعاً عن حقوقهم ومكاسبهم، وهذا ما جعل للحركة النقابية والطبقة العاملة وزناً في الحياة السياسية والاقتصادية، ويحسب لموقفها ألف حساب.
إن المطلوب لكي تنجح الجهود التي تبذل الآن من أجل تحسين العمل النقابي القاعدي، العودة إلى القواعد العمالية من خلال إعادة الاعتبار للهيئة العامة في كل معمل ومنشأة عمالية، وأن تكون صلاحياتها واسعة بالمراقبة والإقرار في كل ما يتعلق بالعمل النقابي، وطرق الدفاع عن حقوقهم وسحب الثقة من الهيئات القيادية في حال عدم صلاحيتهم في الدفاع عن العمال وحقوقهم، وبهذا نكون قد خطونا الخطوة الأولى باتجاه التلاحم الكفاحي بين القيادة والقاعدة من أجل الدفاع عن الاقتصاد الوطني ضد الفساد وتخريب القطاع العام، وضد الاستغلال والإذلال الذي يمارسه أرباب العمل ضد العمال.