بصراحة: الصناعة الوطنية ومصالح العمال... بين فكي كماشة
ذكر خبر نشر مؤخراً أن ثماني وثلاثين منشأة لصناعة الألبسة قد أغلقها أصحابها، والسبب المباشر لذلك السياسات الحكومية التي سمحت بإغراق الأسواق بالبضائع المستوردة، وخاصة الألبسة الجاهزة من خلال السياسة (التحريرية) التي اتبعتها الحكومة في فتح أبواب البلاد على مصراعيها للبضائع الأجنبية، دون مراعاة حقيقة للأبعاد الخطيرة اقتصاديا واجتماعياً التي تحملها مثل هذه السياسات، حيث بدأت نتائجها تظهر جلياً على هذه الصناعة الوطنية العريقة التي عمرها مئات السنين، لتدمرها الآن في ظل منافسة غير متكافئة مع البضائع الأجنبية المستوردة من حيث التكاليف، وتحديداً البضائع الصينية التي تمتاز بالرداءة والرخص!!
من السهل لدى التجول في الأسواق مشاهدة عشرات المراكز التجارية الكبيرة والمتخصصة ببيع البضائع الصينية بأرخص الأسعار، حيث يقبل المواطنون عليها بسبب رخصها، بالرغم من عمرها القصير وسرعة عطبها، ولكن ما العمل؟ والقدرة الشرائية ضعيفة ولا خيارات أمام المواطن بسبب ضعف دخله إلا شراء تلك المنتجات مع علمه برداءتها وعدم جودتها، وبالمقابل فإن المنتج الوطني أسعاره كاوية لأسباب كثيرة منها ارتفاع التكاليف/ ومنها الزيادة في أسعار الطاقة، والضرائب الأخرى المرتفعة على المواد الأولية الداخلة في الصناعة، وعدم توفر الحماية الضرورية من المنافسة لأن معظم البضائع الداخلة إلى السوق السورية تأتي عبر دول الخليج، بعد تبديل اسم بلد المنشأ ووضع اسم البلد العربي الذي تم التصدير منه، وبهذه الحالة لا تخضع هذه البضائع للضريبة الجمركية استناداً لاتفاقية التجارة العربية.
إن تدهور الصناعة الوطنية، وخاصة النسيجية منها يجعل مصير الآلاف من العمال في مهب الريح، ليزداد بذلك جيش العاطلين عن العمل، وهذا يستدعي حملة واسعة للضغط على الحكومة لتغيير سياساتها الإغراقية، وإلا فإن المزيد من المعامل والشركات الصغيرة التي ليس لها القدرة على المنافسة والصمود ستغلق أبوابها لتحل محلها المنتجات المستوردة، حيث بدأ العديد من الصناعيين بإغلاق منشآتهم الصناعية، واستبدالها بنشاطات تجارية تعتمد على تصنيع البضائع في إحدى الدول العربية، واستيرادها إلى السوق المحلية، وبهذا يكون هؤلاء الصناعيين قد ضربوا عصفورين بحجر واحد: تخلصوا من مصاعب الصناعة، وتخلصوا في الوقت ذاته من العمال ومطالبهم المختلفة، وبهذا يكون العمال قد خسروا مواقع عملهم وخسروا مورد رزقهم الوحيد، ليزداد حرمانهم ومعاناتهم دون أن تحرك الحكومة ساكناً إزاء ما يحدث، مع العلم أن الحكومة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قد وعدت بإنشاء صناديق للبطالة التي كان ينص على إنشائها قانون العمل /91/، ولم تنشأ إلى الآن!!
بالنسبة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كل شيء مؤجل فيما يتعلق بمصالح العمال والفقراء، بالرغم من التطبيل والتزمير الذي تقوم به الوزارة في كل مناسبة، معلنة عن مشاريعها الحمائية، ولكننا «نرى جعجعة ولا نرى طحناً»، فمشاريع الوزارة الحقيقية والتي تنجز بكل همة، هي تلك المشاريع المتعلقة بأرباب العمل أو «رجال الأعمال»، الاسم الحركي الجديد للرأسماليين، باعتبار أن لفظة «رأسمالي» لها وقعها غير المحبب على أسماع العمال والفقراء، وهذا ما جرى مع قانون العمال الجديد، حيث سعت الوزارة بكل ما لديها من قوة ليأتي إصداره محققاً لمصلحة «رجال الأعمال».
قد يستغرب العديدون موقف العمال النقابيين في القطاع الخاص، المطالبين بحماية الصناعة الوطنية، ولكن من يطلع على تاريخ الحركة العمالية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، سيجد أن الحركة العمالية كانت تقوم بالإضرابات من أجل مصالحها (وزبادة أجورها)، وفي الوقت نفسه دفاعاً عن المنتجات الوطنية التي أصابها الكساد بسبب إغراق الأسواق بالبضائع اليابانية وغيرها، ما أدى إلى تسريح آلاف من العمال الذين ما كان منهم إلا الاستمرار في الإضراب وإحراق المخازن التي تبيع البضائع المستوردة، حيث أجبر ذلك السلطات على فرض ضرائب جمركية جديدة على البضائع المستوردة، مما جعل الصناعة الوطنية تنتعش مرة أخرى بالإنتاج والتسويق، وعاد كثير من العمال الذين سرحوا من عملهم بسبب الكساد.
إن دفاع العمال عن الصناعة الوطنية هو بالوقت نفسه دفاع عن مصالحهم المهددة دائماً من السياسات الحكومية (الإغراقية)، و(التحريرية) للأسواق، وهذا يستدعي موقفاً حازماً للدفاع عن الصناعة الوطنية في القطاع العام والخاص، ولطبقتنا العاملة تاريخ نضالي مجيد في الزود عن المصلحة الوطنية يمكن التأسيس عليه للمرحلة القادمة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.