بصراحة (العمالة الفائضة) متهمة.. مرة أخرى!!
في كل إخفاق تمنى به شركات القطاع العام وخاصةً الصناعي منه، يكون المتهم الأول في هذا الإخفاق العمال، ومنهم (العمال الفائضون)، وهؤلاء أصبح وجودهم مكلفاً كثيراً كما تدَّعي وزارة الصناعة، وحسب تقديرات الوزارة تبلغ أجور العمال ملياراً ونصف مليار ليرة سورية لكل /12/ ألف عامل، وهذا المبلغ وفق الطرح الحكومي لا يمكن الاستمرار بتحمله، لأن هذا المبلغ، وبالتالي العمال، هم المسؤولون عن الخسائر التي تمنى بها الشركات، ولهذا تمت دراسة الموضوع، وكانت النتيجة التي تفتق عنها الذهن الحكومي عبر مشروع «التحديث المؤسساتي»: التقاعد المبكر، توسيع النشاط الاقتصادي، الهجرة الخارجية.
إن هذه الدراسة تنطلق من الأرضية التي تنطلق منها الحكومة، وهي التكاليف الباهظة التي يسببها وجود العمال في الشركات، وليس شيء آخر مثلاً، مثل النهب والسرقات التي تتعرض لها الشركات منذ عشرات السنوات، فوجود العمال مكلف، ولكن السرقات والنهب دون محاسبة قد لا يكون مكلفاً!!
إن من يقترح تلك الحلول لا يريد تقديم حل لشيء: فالتقاعد المبكر الذي طرح على بساط البحث والتداول عدة مرات غير قابل للتطبيق بسبب التكلفة المالية الكبيرة التي ستتحملها مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وإن طبق سيؤدي إلى إفراغ الشركات الصناعية من الخبرات والكوادر العاملة، مما يعني الإجهاز على ما تبقى في هذه الشركات.
والاقتراح الآخر: توسيع النشاط الاقتصادي لحل قضية العمال (الفائضين)، وغير الفائضين، فهذا صحيح ولكن التجربة التي نعيشها مع الفريق الاقتصادي وسياساته في قيادة الاقتصاد الوطني، أظهرت عدم قدرة هذا الفريق على تأمين متطلبات النمو والاستثمار الضروريين لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتي تعني تحسين مستوى معيشة الطبقة العاملة وفقراء الوطن، والقضاء على البطالة التي أصبحت بازدياد سنة بعد أخرى، رغم إدعاء الحكومة أنها تقوم بعمليات التوظيف، وفقاً لما تشير إليه الحكومة في ميزانياتها السنوية.
والاقتراح الثالث: في الهجرة الخارجية، فإن طرق الهجرة مغلقة، ولا يمكن أن تكون حلاً صحيحاً قابلاً لحل هذه المشكلة التي ابتدعتها الحكومة، وتروج لها الكثير من المؤسسات والخبراء «الاقتصاديين»، لأن المناطق التي كانت مراكز للهجرة (الخليج) تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية كان نتيجتها تسريح ألاف العمال، وتخفيض أجور الباقين، مما دفع العمال لإعلان الإضراب أكثر من مرة كما حدث في الكويت والإمارات دفاعاً عن حقوقهم التي فقدوها بسبب الخسارات الكبيرة التي تعرضت لها الشركات، وخاصة العقارية.
والسؤال المشروع: لماذا تحمل الحكومة العمال مسؤولية ما جرى ويجري في الشركات من خسارات؟
إن المطلع على تقسيم العمل الإداري للشركات يعلم بوجود لجان إدارية مسؤولة عن اتخاذ القرارات اللازمة لتسيير العمل الإنتاجي والتسويقي والإداري، ومن ضمن تقسيم العمل الإداري هناك مديرية تسمى مديرية التخطيط مسؤولة عن تقديم الخطط السنوية عن اليد العاملة، ويصادق عليها من المؤسسات التي تتبع لها هذه الشركات.
إذاً هناك عمل إداري أقر عدد العمال بموجب احتياجات العمل، ولم يأت العمال للعمل رغماً عن الإدارات، وخاصة عمال الإنتاج، حيث تشير تقارير النقابات إلى نقص حاد باليد العاملة على خطوط الإنتاج، وتحديداً في قطاع الصناعات النسيجية الذي هو الآن ضمن مرمى نيران الحكومة، انتظاراً للحظة المناسبة لإطلاق رصاصة الرحمة عليه، مع العلم أن هذا القطاع لو أحسنت إدارته إنتاجياً وتسويقياً لحقق عائديه عالية جداً، لكن الحكومات المتعاقبة التي تعاملت مع هذا القطاع العام، والتي قامت باستبدال وتجديد الخطوط الإنتاجية بشكل مجتزأ وغير مدروس علمياً أدى لخلق اختناقات إنتاجية في مفاصل العمل الإنتاجي، وأوصل إلى خسارات ومخازين كبيرة.
إذاً المشكلة تكمن في قيادة العمل الإنتاجي، والأفكار المسبقة عند الفريق الاقتصادي الذي لا ترى في الصناعة قاطرة للنمو، بل يرى فيها معضلة حقيقية تواجه تلك السياسات الليبرالية التي تعتبر الخدمات والسياحة فقط قاطرة للنمو، ومن هنا جاء الهجوم على الحلقة الأضعف في العملية الإنتاجية (العمال) وتحميلهم مسؤولية ما جرى ويجري للشركات الصناعية.
إن عدم محاسبة الحكومات المتعاقبة للإدارات عن نتائج العمل وأداء الشركات، قد أوصل الشركات إلى ما وصلت إليه، وهذا جعل الفساد يستشري بالطول والعرض، لأن (المال الداشر يعلم الناس على السرقة) كما يقول المثل الشعبي، ولكي يصبح المال العام غير (داشر)، لابد أن يصان من الفساد، وهذه مسؤولية كل الشرفاء في هذا الوطن، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة والحركة النقابية، وذلك بالدفاع عن مواقع العمل، والدفاع عن الحقوق والمكتسبات، ودون ذلك ستبقى الحكومة وغيرها تعلق شماعة إخفاقاتها المتوالية بشأن القطاع الإنتاجي على العمال، فهل تطلق النقابات إشارة البدء بالمواجهة مع السياسات الاقتصادية الجاري إتباعها؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.