لعبة شد الحبل على حقوق العمال هل تستطيع الجهات الوصائية تنفيذ قانون العمل؟
وقعت سورية مئات الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الثنائية، مع أكثر الدول العربية والأجنبية، وشكلت مجالس رجال أعمال من سورية وتلك البلدان، وهدفت هذه الإجراءات إلى تنشيط العمل التجاري وتعزيز العلاقات الاقتصادية وفتح أسواق جديدة لمنتجات سورية.
أمام ذلك، هل الجهات الوصائية غير قادرة على توقيع اتفاقيات لحماية اليد العاملة السورية في الخارج؟
بكل بساطة نقول إنها غير قادرة، لأن عمال القطاع الخاص في الوطن دون حماية، يتعرضون لشتى أشكال الظلم: توقيع العمال على استقالات مسبقة وعلى إيصالات أمانة تصل مبالغها إلى الملايين.. حقوق مهدورة ومكاسب مسحوبة، عقود عمل محدودة المدة.. ويجري كل ذلك في غياب التشريع والقانون.
القانون الجديد:
منذ سنوات أعدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مشروع تعديل قانون العمل /91/ لعام 1959، وقد أثير جدل واسع حول تعديلات هذا القانون بين الوزارة والحركة النقابية، وعقدت من أجله عشرات الاجتماعات، ووضع اتحاد العمال ملاحظاته على القانون... في اجتماع تم الأخذ بها، وفي اجتماع آخر رفضت، وفي اجتماع ثالث تم الوعد بإضافة اقتراحات اتحاد العمال، وفي اجتماع رابع لم يتم التوصل إلى اتفاق، وفي اجتماع خامس تم تأجيل المناقشات، وهنا نسأل:
كيف يمكن أن نطالب الجهات الوصائية بإصدار تشريعات أو عقد اتفاقيات لحماية العمال السوريين في الخارج، إذا كانت تعمل على إصدار قانون مجحف بحق العمال السوريين داخل الوطن؟
ملاحظات هامة:
اعترضت الحركة النقابية على المواد /23 و24/ بما فيها الفقرة /ج/ من المادة /23/ التي تجيز الجمع بين مكاتب التشغيل والتوريد، وهذه المواد تتعلق بإحداث مكاتب خاصة للتشغيل وتوريد العمالة.
المادة /65/ التي تجيز لصاحب العمل في أي حال من الأحوال إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة، والتي تلغي لجان قضايا التسريح والموافقة المسبقة، وتعطي رب العمل الحق في أي وقت تسريح العامل من عمله دون تقديم أي مبرر، علماً أن القانون /91/ أورد حالات عديدة وكثيرة يمكن لرب العمل أن يسرح من خلالها العامل دون الحصول على موافقة لجان قضايا التسريح، الاعتراضات جاءت على مكاتب التشغيل والتوريد لأن المدن امتلأت بالمكاتب الخاصة المخالفة للقانون، وهي مكاتب تستقدم خدم المنازل ومن في حكمهم في ظل البطالة المتزايدة، ولكن مفهوم «ومن في حكمهم» واسع شمل استقدام عمالة من كل نوع.
اعتراضات أخرى:
اعترض اتحاد العمال على المادة /65/ كونها تعني في الجوهر إلغاء لجان قضايا التسريح وإعطاء رب العمل الحق المطلق بتسريح العامل متى أراد، وأوضح بأنه لا يمكن الانطلاق في تعديل القانون بالقياس على علاقة الإيجار أو المزارعة، وأن مقولة «العقد شريعة المتعاقدين» لا يمكن أن تحكم علاقة العمل، وخاصة القائمة منذ عشرات السنوات، ونبه لانعكاساتها السلبية الشديدة على واقع العمل والعمال وحقوقهم المكتسبة.
للإقرار أو الحوار:
بعد سنوات من المناقشات والحوار والملاحظات وصل مشروع قانون العمل إلى مجلس الشعب، ولكنه وصل بمواده التي طرحتها وزارة الشؤون الاجتماعية، دون الآخذ بأبرز ملاحظات واعتراضات اتحاد العمال، والمشروع يناقش الآن، وهنا نسأل:
ماذا تعني الاجتماعات المتكررة والحوارات والمناقشات التي عقدت خلال أكثر من خمس سنوات بين الحركة النقابية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حول قانون العمل، إذا كانت الوزارة مصرة على إخراج القانون بالطريقة التي تريدها، دون الآخذ برأي أصحاب العلاقة؟ أنه سؤال لمن يؤمنون بالحوار فقط!!
السؤال أيضاً:
إذا خرج قانون العمل الجديد بمواده التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو بالتعديلات المقترحة، هل تستطيع الجهات الوصائية إجبار أرباب العمل على الالتزام بالقانون؟
الواقع ينفي ذلك لأن في السوق السورية أكثر من /70/ قانون عمل أحدثت من أرباب العمل تهرباً من قانون العمل /91/ لعام 1958، عدد عمال القطاع الخاص يبلغ حوالي من /4/ مليون عامل، أكثر من نصفهم غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية أو أية ضمانات أخرى، و/90%/ منهم خارج الانتساب للحركة النقابية، وأكثر عمال القطاع الخاص يوقعون عقود إذعان مع أصحاب المنشآت بسبب الحاجة الماسة للعمل. ولم يصدر تشريع أو قانون يجبر أصحاب العمل على التنفيذ والالتزام بالقانون /91/، رغم أن جميع دول العالم، بما فيها البلدان الرأسمالية، تجبر أرباب العمل على الالتزام بالقوانين.
ومن المؤسف أنه خلال السنوات الماضية لم تتضمن أية اتفاقية وفي أي بند من بنودها موضوع العمالة السورية وضمانانها، والتزام الشركات الأجنبية بقانون العمل، وموضوع عمال شركة «شل» شاهد على ذلك، حيث تم تسريحهم وهضم حقوقهم وعدم الاعتراف بخدماتهم، ووقفت الجهات الوصائية عاجزة عن إنصافهم، حتى أن خبيراً هولندياً في شركة «شل» نصح هؤلاء العمال باللجوء إلى القضاء الهولندي لتحصيل حقوقهم، بعد أن خذلتهم الجهات الوصائية!!
تشجيع الاستثمار:
من نتائج تشكيل البيئة الاستثمارية في سورية بعد تبني اقتصاد السوق، ولاسيما بعد عام 1991. تواضع النتائج التي حققها القطاع الخاص، حيث أدى انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية تاركة المجال للقطاع الخاص لردم الفجوة، إلى نتائج عكسية وقد فشل القطاع الخاص في ردم الفجوة.
حيث ارتفع معدل البطالة الناجم عن ضعف وتراجع حجم الاستثمارات العامة، وتواضع حجم الاستثمارات الخاصة، وانخفض مستوى تنافسية المنتجات في القطاع الخاص، بسبب ثقافة البحث عن فرص للربح السريع، دون الأخذ بالبعد القانوني والاجتماعي.
وجملة هذه النتائج وغيرها الكثير تركت سؤالاً مشروعاً للإجابة حول الإمكانيات المستقبلية للدولة في تمويل مشاريعها الاجتماعية، وأمام عدم الجواب وعدم وجود أفق واضح، فإن ضرب مكتسبات الشعب وهضم حقوق العمال هو الأجدى!!