قانون العمل الجديد والطبقة العاملة: هل نحن أمام انهيار التوازنات الاقتصادية - الاجتماعية القديمة
من الواضح أن مقولة «اليد المنتجة هي اليد العليا» التي تعلمناها في مناهجنا الدراسية لم يعد لها أي احترام في ظل مشروع قانون العمل الجديد، الذي كانت بعض بنوده الأساسية ومازالت تلاقي معارضة شديدة فيما يخص صيغة العلاقة بين العامل ورب العمل..
ضحك على اللحى!!
على الرغم من النقاش الطويل والجدل الذي رافق قانون العمل منذ صدوره، وتحويله إلى لجان الدراسة في مجلس الشعب لإقراره، فإن جميع المقترحات التي قدمت بخصوص تعديل بعض مواده ذهبت أدراج الرياح، بعد أن تأكد تقديمه للمجلس دون التغييرات الجوهرية التي اقترحها بعض النواب والقادة النقابيين الذين وقفوا ضد تمريره مهما كانت النتائج. وهذا ما يؤكد بالضرورة أن الزعم بأن جهات عدة (أرباب العمل، الاتحاد العام لنقابات العمال ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل) شاركت في إخراجه على هذه الصورة، بعد العديد من النقاشات والحوارات، لم يكن سوى ضحك على اللحى، لأن المذكرات الأربع التي قدمها الاتحاد العام لم تؤخذ بعين الاعتبار، ومن يروج أن في القانون الكثير من النقاط الإيجابية ينسى أو يتناسى تماماً أن ما يهم أرباب العمل في جميع مواد القانون هو المواد التي عارضتها الحركة النقابية، وخاصة المواد /65، 66، 277/ التي تشك™ل عودة إلى الوراء بكل المقاييس، أي إلى ما قبل صدور القانون الأول، عندما كان تسريح العامل يتم بشكل تعسفي. وهذا يؤكد النية في ضرب منظومة التشريعات التقدمية السابقة، بإلغاء المرسوم الخاص والناظم لعملية التسريح، والعلاقة بين أرباب العمل والعمال.
وما يبعث على الاشمئزاز والاستغراب أن تقف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بكل قواها مع أرباب العمل، وكأنها تمثلهم ولا تمثل الشريحة الأوسع في المجتمع السوري، وهي على يقين تام أن التسريح التعسفي كان يسير على قدم وساق بوجودها ووجود المرسوم، فكيف الحال بغياب هذا المرسوم، وصدور المشروع الجديد الذي يشرعن التسريح التعسفي. ولعل الدعاوى العمالية المتراكمة فوق بعضها البعض لدى الجهات المعنية خير دليل على هذا.
من سخرية التاريخ
يبدو أن منفذي سياسات وقرارات البنك الدولي لن يبخلوا بجهدٍ في تمرير مشروع قانون العمل على المجلس، رغم النضالات الشاقة التي قدمتها الطبقة العاملة وحركتها النقابية لتحقيق مكاسبها حتى صدور قانون العمل عام 1959، والمرسوم /49/ لعام 1962 الذي صدر في زمن حكومة الانفصال التي تعودنا على اعتبارها حكومة رجعية، بينما نرى الآن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحاول إلغاء المرسوم بكل بساطة، فيا لسخرية التاريخ.
لقد حدثت مئات المشكلات فيما مضى بين العمال وأرباب العمل، رغم أن الاقتصاد السوري كان يعتمد في سياساته على الاقتصاد الموجه والمخطط، فكيف سيكون وضع العامل في ظل التوجيهات الحالية، بعد التحول إلى اقتصاد السوق الحر الذي قوض كثيراً دور الدولة التنموي، وزاد من المنافسة والمزاحمة والعرض والطلب وفوضى السوق التي بدورها ستفتح المجال ليأكل القوي الضعيف بلا أي تردد؟! ولا يخفى على أحد أن العمال هم الحلقة الأضعف في كل هذه العمليات، لأن من الخطورة بمكان أن يكون لهذا القانون أثر رجعي يشمل كل العلاقات والارتباطات السابقة بين العامل ورب العمل، وهذا ما يؤكد لأرباب العمل «حقهم» بإعادة النظر في كل ما يخص علاقتهم مع عمالهم، وفسح المجال لهم بالرجوع عن كل قرار لا يفيدهم، وخاصة القرارات المتعلقة بالمشاكل المالية.
حركة نقابية بلا أنياب... ومخالب
لقد جرى نقاش واسع ومتعدد الجوانب لقانون العمل الجديد وهذا مهم باعتباره سيعبر عن مصالح ملايين العمال، ولكن أياً تكن القوانين التي تصدر فإنها لن تعبر عن مصالح الطبقة العاملة في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة رأس المال، وهذا ما نشاهده في سياق النقاش الدائر الآن حول قانون العمل الذي يستبعد أصحاب المصلحة الحقيقية في تقرير ما هو معبر عن مصالحهم، والحركة النقابية بالرغم من دورها الهام في الحوار، إلا أنها لم تستطع أن تفرض ما يجب أن يكون لمصلحة عمال القطاع الخاص، وتستبعد من الحوار حول نصوص القانون الشيء الهام والجوهري الذي سيمكن الطبقة العاملة من الدفاع عن مصالحها، ألا وهو حق الإضراب الذي أقرته اتفاقيتا العمل العربية والدولية التي صادقت عليها سورية.
إبراهيم اللوزة لـ«قاسيون»:
تمرير القانون الجديد ضربة قاضية لحقوق الطبقة العاملة
للوقوف أكثر على هذا المشروع التقت قاسيون القائد النقابي المعروف إبراهيم اللوزة وأجرت معه الحوار التالي:
• هل لك أن تقدم لنا لمحة تاريخية عن قانون العمل في سورية.
صدر قانون العمل عشية نيل سورية استقلالها في العام 1946، وبعد سنوات من النضال العمالي صدر في العام 1959 القانون /91/ للعمل والقانون /92/ الخاص بالتأمينات الاجتماعية، ولم تمض سوى أربع سنوات على صدور قانون العمل حتى أجمعت الحركة العمالية والنقابية على صدور المرسوم /49/ لعام 1962 من أجل حماية حقوق الإنسان الأضعف وهو العامل، وبعد العام 1963 أجريت بعض التعديلات في القوانين ليأخذ العامل بعضاً من حقوقه التي لم ينلها بعد، ثم جاءت الحركة التصحيحية وقامت بتعديل قانوني العمل والتأمينات الاجتماعية، وفي هذه الفترة كان مهمة الاتحاد العام لنقابات العمال إجراء حوارات ونقاشات مع أرباب العمل، كانت تصب معظمها في مصلحة الإنتاج الوطني، وفي مصلحة الحفاظ على حقوق العمال.
• ما رأيك بتدخل البنك الدولي في صياغة قرارات بعض الوزارات، وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؟
لقد لعبت الحكومة دوراً سلبياً في هذا الاتجاه، وسارت في طريق تقسيم المجتمع، وتنفيذ أوامر وقرارات البنك الدولي والمؤسسات الدولية. والتقارير التي تصدرها بخصوص تعديل قوانين التأمينات الاجتماعية والعمل تقوم على أساس مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، وهذا يضر كثيراً ليس بالعمال فقط بل بالوحدة الوطنية في هذا الظرف العصيب الذي نتلقى فيه تهديدات يومية من أمريكا وإسرائيل الصهيونية.
لقد كان رأي الاتحاد العام لنقابات العمال واضحاً في جميع المواد التي تحتاج إلى تعديل في مشروع القانون، وخاصة القضايا المهمة والرئيسة التي تؤمن حق العامل في الدفاع عن حقوقه دون انتقاص.
وأنا أطالب أعضاء مجلس الشعب من فئة العمال والفلاحين، وأحزاب الجبهة الوطنية أن يلعبوا دوراً مهماً بعدم السماح بتمرير مشروع القانون، خاصة وأنهم يشكلون أكثر من نصف أعضاء المجلس.
• ما المواد التي تحتاج إلى تعديل في مشروع قانون العمل الجديد؟
من الخطورة بمكان تمرير الكثير من مواد مشروع القرار، وخاصة المواد (62، 63، 64، 65، 66، 277) التي يعتبر تمريرها ضربة قاضية لحقوق الطبقة العاملة، وشراً أسود لعائلاتهم، فالمادة /65/ من المشروع تجيز لرب العمل تسريح عماله بشكل تعسفي غير مبرر. والمادة /277/ منه تجعل عقود العمل هذه سارية على العقود الحالية واللاحقة، والمادة /228/ تتعلق بالعمل الجزئي. لذلك فإن أهم القضايا التي يمكن استنتاجها من القانون الحالي هو أن إلغاء المرسوم /49/ لعام 1962 سيكون كارثة اجتماعية.
إن جميع القوانين السابقة جاءت نتيجة نضالات طويلة خاضها العمال، ومن المؤسف حقاً أن هناك أحزاباً مازالت تقف من القانون موقف المتفرج، وكأن الأمر لا يعنيها، في حين من المفترض بها تعزيز التراث العمالي، والحفاظ على المكتسبات التي تحققت لكي نؤمن للأجيال الشابة حقوقها مستقبلاً، فالقانون الجديد سيورث قوانين جائرة.
استغرب ممن يقارن بين قوانين العمل الفرنسية والقانون السوري، لأن هناك اختلافات جذرية في بيئة العمل بين الدولتين، فالحكومة السورية وافقت على /52/ اتفاقية، منها /12/ اتفاقية عربية، وأنا أطالب أعضاء مجلس الشعب بالإطلاع على اتفاقيات العمل الدولية، وقوانين العمل العربية، قبل الموافقة على مشروع القانون، ليروا بأم أعينهم الاختلافات الجذرية بين القانونين.
ماذا تقول عن اقتراح تعديل قانون التأمينات الاجتماعية؟
إن تخفيض نسبة التقاعد إذا أقر سيفضي إلى قانون يسلب حقوق أكثر من ثلاثة ملايين عامل وعاملة، إن الواجب يحتم علينا الحفاظ على حقوق العمال، فأي عقد عمل مهما اختلفت تسمياته لا يشكل بأية حال من الأحوال مجرد علاقة تعاقدية بين طرفين تحددها «حرية المتعاقدين»، التي تقر في معظم الأحيان بالشكل لا بالجوهر، لأن روح القانون ببعديها الاقتصادي والاجتماعي هي التي يجب أن تحدد هذه العلاقة، حتى تكون لمصلحة معظم المواطنين، دون المساس بكرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار.