د.محمد المعوش
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
المعركة الأيديولوجية التي يديرها العالم القديم معقدة وفي تصاعد واشتداد مستمر، وهذه إحدى تنبؤات إنجلس بشكل خاص. ولهذا التصاعد ملامحه التي لا تنحصر فقط في تصاعد التيار العدمي اللاعقلاني الذي مررنا على ذكره في مواد سابقة، ولكن أيضاً في استعارة العقل الذي يحاول الحفاظ على هيمنته للمذاهب «الثورية» وتطويعها في مسار: من الإصلاحية الى الفوضوية إلى «الشيوعية المبكرة».
في سياق تناقض بربرية-حضارة وتعطّل إمكانية المجتمع الطبقي المنقسم وقواه على المناورة للحفاظ على الانقسام التاريخي، ونقاش الحدود الفلسفية للمثالية لهذا التعطل والذهاب إلى مثالية متطرفة في إلغاء العقل والواقع، هنا نتناول قضية الممارسة المرتبطة بالثنائية الفلسفية، ومعناها السياسي للمشروع النقيض.
في مادة سابقة وأخرى سبقتها أشرنا إلى مسألة التفجير المبكّر للتناقضات التي تتجاوز البعد المرحلي السياسي المباشر نحو تجاوز المجتمع الطبقي ككل وطبيعة المجتمع. وهنا نناقش خطر ملامح العقل الأيديولوجي «الماركسي» الجامد والميكانيكي وكيف يفعل فيه تيار «الشيوعية المبكّرة».
كما صار واضحاً فإنّ انعدام المخارج والصيغ أمام النظام المنقسم طبقياً للحفاظ على هذا الانقسام، في الوقت الذي وصلت فيه التناقضات على مختلف المستويات إلى حافة تهديد النوع والحضارة ككل، إنّما يدفع إلى مسار تدميري متطرف. وهنا نظرة في منهجية التدمير للإجابة المبكرة على التناقضات، وإجهاضها.
نتيجة ضغط الوقائع وقوة الضرورة التاريخية لم يعد للوعي من مختلف خلفياته النظرية أن ينكر طبيعة التحول الحاصل عالمياً. ولهذه الخلاصة أهمية في جانبها الإيجابي، إلّا أنّ جانبها السلبي حاضرٌ أيضاً وهو ما لا يجب للجانب الإيجابي أن يغطّيه فنطرب إليه حصراً. وهنا بعض الأفكار تحديداً من لينين ومرحلة الصعود الثوري في القرن الماضي.
على وقع سيادة التخبط الفكري والتردّد وعدم اليقين في مراحل الانتقال، كون الفكر القديم، وإحداثياته، لم يعد يصلح لفهم الجديد، وبالضد من الذاتية الإرادوية في فهم التاريخ، وكذلك بالضد من العدمية التي تلغي كلّ قانون، يسير العالم على وقع ضرورة شديدة في تعقيدها. وهنا بعض الأفكار حول مَن «يقود» العملية التاريخية، ما يكسر بعض نظريات المؤامرة التي تزداد كلما اشتدت ضرورة الحل.
في تتبّع لتطوّر مراحل الصراع على وقع أزمة هيمنة الإمبريالية، وتحديداً في المستوى الفكري والأيديولوجي والدعائي من الصراع، يظهر بوضوح الاتجاه العام لاندماج الظواهر والقضايا المرتبطة بها عالمياً، ومعه تظهر الحاجة لهجوم «واحد وشامل» من قبل العالَم الجديد.
ما يحصل من تحولات وما يتطور من ظواهر تاريخية جديدة هو مِن الغنى لدرجة أنه لم يتم بعد التقاط معانيه الكافية لدى الوعي العام عالمياً. وكلّه تحت عنوان عام يقول به حتى أعتى منظرّي العالم القائم - وهو عنوان «التحوّل الحضاري». وفي هذه المادة سنمر على ظاهرة تشكّل الجبهة الحضارية التي قال بها منذ عقود القيادي الشيوعي الإيطالي «بالميرو تولياتي» ومداها الراهن وما تعنيه لتشكل فضاء سياسي جديد.
في مواد سابقة كنّا قد أشرنا إلى مقاربة منهجية يمكن من خلالها تتبّع المصير المتطرّف للمحاولة التي تقوم بها الرأسمالية لإبقاء هيمنتها باتجاه إلغاء الواقع من جهة، وإلغاء العقل من جهة أخرى، وفقاً لتطوّر أزمة الفلسفة الرسميّة التي تشكّل حقل اختبار تاريخي لأزمة انقسام المجتمع طبقياً عبر التاريخ وعلاقته بانقسام وعي-مادة، وانقسام عقل-واقع. وهنا نعالج بشكل مباشر مفاعيل ذلك على الإنسان الفرد.
مجدداً، وعلى الرغم من تعقيد المرحلة وغنى «مادتها»، بل بسبب ذلك بالتحديد، فإنّ سمة كونها تكشف عن جوهر حركة المجتمع نفسه في ضرورته وتجريدها النظري، تساعد وتسمح بـ«تجاوز» هذا التعقيد لصالح الوضوح و«التبسيط». وهنا نظرة في ازدياد الوضوح في المادة التاريخية في ميدان الخطاب السياسي.