الافتتاحية:نحو إصلاح شامل وجذري!
طوت الانتفاضة الثورية المصرية صفحتها الأولى، وهي ماضية في صفحتها الثانية.. ولكن آثار ما أنجزته له أبعاده الهامة؛ التاريخية، العالمية، والإقليمية، والداخلية فيما يخص مستقبل الشعب المصري نفسه..
طوت الانتفاضة الثورية المصرية صفحتها الأولى، وهي ماضية في صفحتها الثانية.. ولكن آثار ما أنجزته له أبعاده الهامة؛ التاريخية، العالمية، والإقليمية، والداخلية فيما يخص مستقبل الشعب المصري نفسه..
تؤكد الأيام الأخيرة اشتداد ملامح الأزمة الاقتصادية العظمى من حيث الشكل والمضمون.. ويبدو بائساً التضليل الإعلامي العالمي حول انتهاء الأزمة في أواسط العام 2009. فما إن صدر هذا التصريح حتى ارتفعت أسعار الذهب إلى تخوم 1300 دولار للأونصة، وانهار الدولار أمام اليورو، وارتفعت أسعار النفط مع تأكيدات رسمية حول تجاوز معدلات الفقر والبطالة في الولايات المتحدة الأمريكية كل الأرقام القياسية السابقة خلال الخمسين عاماً الأخيرة.. إلى جانب تصاعد حدة الصراعات الاجتماعية في كل أوروبا على أرضية هجوم حكومات الاحتكارات الكبرى على مصالح الكادحين من اليونان إلى فرنسا.
بدايةً لابد من تبديد وهم فكرة أن الدفاع عن سعر الصرف حالياً عبر ضخ احتياطي العملات الصعبة في السوق، هو حماية للقوة الشرائية للمواطن، فأصحاب هذه الفكرة دأبوا على تبديد الاحتياطي، خلال الفترة الماضية، في اتجاهات مختلفة لم تحفظ سعر الصرف من التراجع، وأوصلت الأسعار إلى مستويات قياسية لم يعد يطيقها المواطن المأزوم في كل شيء
ثبّت الفيتو الروسي- الصيني المزدوج المكرر ميزان القوى الدولي بحيث أصبحت محصلته صفراً بين الجانب الأمريكي- الغربي وحلفائه من جهة، والجانب الروسي- الصيني وحلفائه من الجهة الأخرى، وقلنا في حينه إن التوازن الجديد منع التدخل الخارجي المباشر ونقل أمريكا إلى تنفيذ الخطة (ب) للتدخل غير المباشر عبر التمويل والدعم بأشكاله المختلفة بغرض رفع منسوب الدم إلى الحدود الكافية لإحداث انقسامات عمودية حادة في بنية المجتمع السوري تأخذه نحو حرب أهلية تحقق بالحد الأدنى إنهاءً للدور الوظيفي لسورية في المنطقة، وبالحد الأعلى تزيلها من الوجود كدولة موحدة أرضاً وشعباً..
جاء لقاء لافروف – كيري الأخير في موسكو مؤخراً، ليؤكد في جوهره على أن الطرفين الدوليين الأساسيين اتفقا على نقل إحداثيات الصراع الجاري في سورية، من الشكل السابق إلى شكلٍ جديدٍ تؤطره حكومة وحدة وطنية وحوار سياسي داخلي..
بعد ثمانية أشهر على بدء الحركة الاحتجاجية التي ظهرت كتعبير عن أزمة وطنية عميقة، بقيت هذه الأزمة بعيدةً عن الحل، لا بل راحت تتطور وتتعقد تحت تأثير جملة من العوامل الداخلية والتدخلات الخارجية.
قبل الحديث عن الحكومة الجديدة ووظيفتها ومهامها والتحديات المطلوب مواجهتها وحل المشاكل العاجلة والتأسيس استراتيجياً نحو تغيير التوجه الاقتصادي-الاجتماعي السائد منذ سنوات لا بد من التذكير أننا كنا مع قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة كجزء من الحل السياسي للخروج الآمن من الأزمة .لكن هذه الرؤية لم تتحقق وتحولت الى فرصة ضائعة أخرى مثلما سبق أن جرى التعامل مع نتائج اللقاء التشاوري في تموز 2011 وهذا زاد الأمور تعقيدا وأدى إلى تعميق الأزمة ورفع الكلفة الوطنية إلى مستوى خطير يهدد وحدة سورية أرضا وشعبا .
تنشغل الشعوب العربية وشعوب العالم بالثورة الشعبية الوطنية الشاملة في مصر، والتي تدخل يومها التاسع عشر معمدة بدماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى في مواجهة مكشوفة بين إرادة شعب قرر التغيير وبين نظام دكتاتوري يستقوي على الجماهير بكل أجهزته القمعية ـ الفاشية وبتحالفاته مع القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في المنطق.
يترقب السوريون بفعالياتهم المختلفة، معارضة وموالاة، مسلحين وغير مسلحين، متحزبين ومستقلين، والأهم مواطنين عاديين اقتراب المؤتمر الدولي، ولكن كل جهة منهم تريد «سحب البساط لطرفها»، وسط ترقب حذِر، سمته لدى غالبية المواطنين على الأقل، الرغبة الصادقة بالخروج من مستنقع الأزمة، بعدما بقي أملهم معلقاً على «الخارج» أكثر منه على الداخل، وذلك لأسبابٍ ليست بقليلة الوجاهة، وإن كانت ذات خطرٍ لا يجوز تجاوزه بأية حال.
عند كتابة هذه السطور كانت انتفاضة الشارع المصري قد دخلت مرحلة جديدة في تطورها، فبعد المظاهرات المليونية بساعات، بدأت قوى النظام بشن هجوم معاكس على الأرض لقمع المتظاهرين ومحاولة إغراق الانتفاضة بدمائها على يد زبانيتها وبلطجيتها (المدنيين)، في محاولة لتصوير أن ما أفضت إليه الانتفاضة (المستغلة من قبل قوى سياسية) هو الانقسام في صفوف الشعب المصري، وأن هناك خطر صدام أهلي واسع وفوضى شاملة تغطي مصر كلها، بما يستدعي تدخل أجهزتها بما فيها الجيش للحفاظ على الهدوء والاستقرار، وبعد هذا الاستقرار يمكن أن يتم التفاوض والحوار لإيجاد تسوية ما بين النظام و(معارضته)، أي أن هذا السيناريو هو الترجمة الفعلية لكلمة الرئيس مبارك عشية المظاهرات المليونية وتصوراته عن كيفية سير الأمور ووضعها في (نصابها).