افتتاحية قاسيون 527: من الذي يعيق الحل؟؟
بعد ثمانية أشهر على بدء الحركة الاحتجاجية التي ظهرت كتعبير عن أزمة وطنية عميقة، بقيت هذه الأزمة بعيدةً عن الحل، لا بل راحت تتطور وتتعقد تحت تأثير جملة من العوامل الداخلية والتدخلات الخارجية.
بعد ثمانية أشهر على بدء الحركة الاحتجاجية التي ظهرت كتعبير عن أزمة وطنية عميقة، بقيت هذه الأزمة بعيدةً عن الحل، لا بل راحت تتطور وتتعقد تحت تأثير جملة من العوامل الداخلية والتدخلات الخارجية.
قبل الحديث عن الحكومة الجديدة ووظيفتها ومهامها والتحديات المطلوب مواجهتها وحل المشاكل العاجلة والتأسيس استراتيجياً نحو تغيير التوجه الاقتصادي-الاجتماعي السائد منذ سنوات لا بد من التذكير أننا كنا مع قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة كجزء من الحل السياسي للخروج الآمن من الأزمة .لكن هذه الرؤية لم تتحقق وتحولت الى فرصة ضائعة أخرى مثلما سبق أن جرى التعامل مع نتائج اللقاء التشاوري في تموز 2011 وهذا زاد الأمور تعقيدا وأدى إلى تعميق الأزمة ورفع الكلفة الوطنية إلى مستوى خطير يهدد وحدة سورية أرضا وشعبا .
تنشغل الشعوب العربية وشعوب العالم بالثورة الشعبية الوطنية الشاملة في مصر، والتي تدخل يومها التاسع عشر معمدة بدماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى في مواجهة مكشوفة بين إرادة شعب قرر التغيير وبين نظام دكتاتوري يستقوي على الجماهير بكل أجهزته القمعية ـ الفاشية وبتحالفاته مع القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في المنطق.
يترقب السوريون بفعالياتهم المختلفة، معارضة وموالاة، مسلحين وغير مسلحين، متحزبين ومستقلين، والأهم مواطنين عاديين اقتراب المؤتمر الدولي، ولكن كل جهة منهم تريد «سحب البساط لطرفها»، وسط ترقب حذِر، سمته لدى غالبية المواطنين على الأقل، الرغبة الصادقة بالخروج من مستنقع الأزمة، بعدما بقي أملهم معلقاً على «الخارج» أكثر منه على الداخل، وذلك لأسبابٍ ليست بقليلة الوجاهة، وإن كانت ذات خطرٍ لا يجوز تجاوزه بأية حال.
عند كتابة هذه السطور كانت انتفاضة الشارع المصري قد دخلت مرحلة جديدة في تطورها، فبعد المظاهرات المليونية بساعات، بدأت قوى النظام بشن هجوم معاكس على الأرض لقمع المتظاهرين ومحاولة إغراق الانتفاضة بدمائها على يد زبانيتها وبلطجيتها (المدنيين)، في محاولة لتصوير أن ما أفضت إليه الانتفاضة (المستغلة من قبل قوى سياسية) هو الانقسام في صفوف الشعب المصري، وأن هناك خطر صدام أهلي واسع وفوضى شاملة تغطي مصر كلها، بما يستدعي تدخل أجهزتها بما فيها الجيش للحفاظ على الهدوء والاستقرار، وبعد هذا الاستقرار يمكن أن يتم التفاوض والحوار لإيجاد تسوية ما بين النظام و(معارضته)، أي أن هذا السيناريو هو الترجمة الفعلية لكلمة الرئيس مبارك عشية المظاهرات المليونية وتصوراته عن كيفية سير الأمور ووضعها في (نصابها).
تتوالى فصول الأزمة السورية تباعاً.. وإذا كان الغرب الإمبريالي قد استعصى عليه التدخل العسكري المباشر بسبب التطورات الجديدة في الوضع الدولي، وأبرزها بروز الموقف الروسي والصيني المستقل، الذي كان تعبيراً أولياً عن انتهاء حقبة دولية ابتدأت في أوائل التسعينيات بمحاولة فرض القطب الأوحد عالمياً، فإن هذا الاتجاه في التطور أكد نفسه خلال الفترة القصيرة الماضية، ودفع بالمثال السوري كي يكون مختلفاً ومتميزاً عن النموذج اليوغوسلافي والعراقي والليبي، ويتحول بالتالي إلى فاتحة لعصر جديد تكسر فيه الهيمنة الإمبريالية الأمريكية- الغربية.
ضيّع النظام حتى الآن فرصاً عدة للخروج من الأزمة، من اللقاء التشاوري وعدم تنفيذ توصياته، إلى الحديث عن حكومة وحدة وطنية لم تر النور، وصولاً إلى قانون الانتخابات الجديد- القديم ومن ثم الطريقة التي أجريت بها انتخابات مجلس الشعب..
يؤكد التصاعد الدراماتيكي للأحداث على امتداد المنطقة أن عودة الجماهير للشارع للمطالبة بحقوقها أصبح أمراً موضوعياً لا يمكن منعه أو لجمه أو عرقلته..
ومما لا شك فيه أن الإمبريالية العالمية، وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية المتحكم الأبرز بمصائر الشعوب والدول والأنظمة التابعة، هي أكثر من يدرك هذه الحقيقة، كونها المنتج الأساسي للسياسات النيوليبرالية المولدة للفقر والبطالة والاحتقانات الشعبية على مستوى العالم، وبالتالي الانتفاضات التي قد تنتج عنها، والراعي الأبرز للأنظمة والحكومات المنفّذة لهذه البرامج والسياسات بالحديد والنار تارة، والاحتيال والمراوغة تارة أخرى، والمستفيد الأكبر من نتائج تعميم هذه السياسات عالمياً، وخصوصاً في دول الجنوب المنهوب.. لذلك فإن أشد ما يقلق الإمبريالية الأمريكية المتصارعة مع نظيراتها، والمأزومة لدرجة الاختناق، هو كيفية امتصاص هذه الاحتقانات إن أتيح لها ذلك، وركوب موجتها وتوجيهها إن انفجرت رغماً عنها، ومن ثمّ إسكاتها بعطايا لا ترتقي لمستوى مطالبها الأساسية وتطلعاتها الحقيقية إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.. وقد تضطر في هذا الإطار إلى خلع بعض أحذيتها من الحكام والحكومات، وتغيير بعض الوجوه والرموز، وتقديم بعض التنازلات الشكلية... في سبيل المحافظة على جوهر النظام، ومقدار حصتها من الثروات المحلية في كل بلد إن لم يكن أكثر، ومستوى الهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنع خصومها ومنافسيها الآخرين من مقاسمتها أو محاصصتها..
دخلت الأزمة الوطنية في بلادنا مفصلاً خطيراً، خصوصاً بعد القرارات الأخيرة الصادرة عن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتصعيد غير المسبوق في الموقف التركي، وهي بمجملها تعد تدخلاً سافراً في الشؤون السورية الداخلية، ومرحلةً جديدة على طريق تدويل الأزمة، وهذا ما سعت وتسعى إليه القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية بالتحالف مع الرجعية العربية ممثلةً بالدول المتنفذة في الجامعة العربية.
شهد الأسبوع الفائت تصعيداً جديداً على خط الأزمة السورية متمثلاً بدخول مجموعات مسلحة إلى منطقة كسب مدعومةً من الجيش التركي في عدوان وقح على السيادة السورية. وأتى ذلك بعد ضخ إعلامي موسع عما سمي بـ«معركة الجنوب»، بالتوازي مع وضع العراقيل المتكررة أمام انعقاد الجولة الثالثة من «جنيف-2» ليشير ذلك برمته إلى مجموعة من الأمور: