واشنطن وتل أبيب لن تتراجعا عن أهدافهما العدوانية
عندما نقول باستمرار واشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية رغم كل أشكال التضليل الإعلامي المعاكس، لا نقصد أبداً أن الإمبريالية العالمية وحليفتها الصهيونية قد انهارت، وسلَّمت بالهزيمة، بل على العكس من ذلك، تزداد العدوانية الإمبريالية- الصهيونية على كل جبهات الصراع بينها وبين الشعوب في الوقت الراهن، وخصوصاً في منطقتي الشرق الأوسط وبحر قزوين.
وإذا كانت الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، فإن ما تمارسه إدارة أوباما سياسياً في المنطقة بعد الإعلان عن إعادة تموضع قواتها في العراق هو خلق مناخ عام و«مناسب» لإشعال أكبر ما يمكن من الحروب الداخلية عبر تسعير التناقضات القومية والطائفية والمذهبية والعشائرية لضرب المقاومات الموجودة والمحتملة في كل بلدان المنطقة وشعوبها، ومن هنا فإن أخطر تلك السياسات الأمريكية يتجلى في المؤشرات التالية:
1 ـ اختزال القضية الفلسطينية من قضية شعب يناضل من أجل تحرير أرضه من الاحتلال الإسرائيلي واستعادة حقوقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الوطنية المستقلة، إلى قضية تجميد أو استئناف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. وقد جاء إطلاق ما يسمى بالمفاوضات المباشرة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية في رام الله، ليس لمنع قيام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ومحاولة الإجهاز على ما تبقى من الفصائل المقاومة فقط، بل لتأجيج الصراع بين حركتي فتح وحماس، ومحاولة خلق أوهام لدى الرأي العام العربي والعالمي بأن الشعب الفلسطيني محكوم بالانتماء لهذين الفصيلين أكثر مما هو ملتزم بالنضال التحرري بالمعنى الواسع للكلمة، وصولاً إلى التحرير وحق العودة وتقرير المصير.
2 ـ تعمل الولايات المتحدة والدول المتنفذة في النظام الرسمي العربي على تخفيف الضغط شكلاً على سورية، وتطويقها وإضعافها استراتيجياً عبر تفجير الوضع في لبنان وتسعير الفتنة الطائفية فيه، من خلال ما أشيع ويشاع عن قرار سيصدر عن المحكمة الدولية يجري فيه اتهام لعناصر من حزب الله بجريمة اغتيال رفيق الحريري، ولعل أخطر ما في هذه المؤامرة هو محاولة تحويل حزب الله من حزب مقاوم استطاع تهشيم هيبة جيش العدو الصهيوني إلى فصيل «يدافع» عن نفسه أمام جريمة خطط لها، ونفذها من يتهمه بها، ألا وهو التحالف الإمبريالي- الصهيوني.
3 ـ وبالنظر إلى الوضع في العراق واليمن ومصر والسودان والصومال، نجحت الولايات المتحدة بإظهار دول الخليج العربي بأنها مهددة من جانب إيران، وأن مواجهة ذلك الخطر «فرض عين»، وهكذا جاء الإعلان عن صفقات السلاح غير المسبوقة مع السعودية، وقد انسجمت تصريحات المسؤولين السعوديين مع التصريحات الأمريكية بأن «الخطر الإيراني» على دول الخليج العربي أكبر من الخطر الإسرائيلي!.
ولا شك أن الجانب الاقتصادي في المخطط الإمبريالي- الصهيوني تجاه دول المنطقة يترافق مع الشق السياسي- العسكري، ويتساوق معه، حيث استطاعت الليبرالية الاقتصادية الجديدة أن تخترق- بأشكال متفاوتة- كل البلدان العربية، وكان من أخطر نتائجها على صعيد إضعاف مناعة المجتمعات العربية داخلياً، هو انتشار الفقر والبطالة والأمية ما خلق الأرضية المناسبة لاستثمار وتسعير أدوات التفتيت التي تكلمنا عنها.
واستمراراً لما نؤكده دائماً، فإن الاقتصاد تحول إلى جبهة أمامية في الصراع ضد المخططات الأمريكية والصهيونية، لذلك لابد من الوصول إلى نموذج الاقتصاد المقاوم الذي يخدم السياسة الوطنية ويتحول إلى رافعتها الأقوى. لكن واقع الحال في اقتصادنا الوطني ليس لا يتلاءم مع المواقف والسياسات الوطنية المعلنة ضد المخططات الأمريكية- الإسرائيلية إزاء سورية ودول المنطقة فقط بل سيصبح في حالة تعارض معها، لأن واشنطن وتل أبيب لن تتراجعا عن أهدافهما العدوانية ضد بلدنا سورية، ولعل التهديدات الأخيرة للوزيرة كلينتون خير دليل على ذلك. ومن هنا لابد من اقتصاد مقاوم يخدّم السياسة الوطنية ولا يخذلها يوماً ما.
والنقطة الأساس في ذلك الاقتصاد المنشود لا يكمن في ضرب قوى الفساد الكبرى التي تنهب الدولة والمجتمع معاً فقط، وإنما ببناء ذلك النموذج الاقتصادي الفعال والعادل الذي يستجيب لمصالح الشعب والقوى المنتجة فيه.. والتي هي عماد الدفاع عن الوطن والسيادة الوطنية في الحاضر والمستقبل. وهذا يتطلب إسقاط السياسات الاقتصادية الليبرالية التي اتبعتها الحكومة على مدى سنوات طوال والتي لم تحقق إلاّ عكس ما وعدت به، حيث يكفي النظر إلى اتساع الفجوة بين الحد الأدنى لمستوى المعيشة والحد الأدنى لمستوى الأجور فقط، حتى ندرك حجم الاستياء الشعبي جراء تلك السياسات الاقتصادية للحكومة، والتي لا تنسجم مع صمود سورية ضد المخططات الإمبريالية- الصهيونية في المنطقة!.