افتتاحية قاسيون 601: الدفاع عن الليرة السورية
بدايةً لابد من تبديد وهم فكرة أن الدفاع عن سعر الصرف حالياً عبر ضخ احتياطي العملات الصعبة في السوق، هو حماية للقوة الشرائية للمواطن، فأصحاب هذه الفكرة دأبوا على تبديد الاحتياطي، خلال الفترة الماضية، في اتجاهات مختلفة لم تحفظ سعر الصرف من التراجع، وأوصلت الأسعار إلى مستويات قياسية لم يعد يطيقها المواطن المأزوم في كل شيء
لقد جرى خلط متعمد بين مفهوم سعر الصرف وآثاره المباشرة من جهة، حيث يعد هذا المتغير الاقتصادي مؤثراً مباشرة على مصالح كبار المستوردين، والقوة الشرائية التي تمس أغلبية شرائح المواطنين من جهة أخرى. وقد سمح هذا الخلط بين المفهومين –رغم الارتباط بينهما- باعتبار مصالح التجار وكبار المستوردين والصيارفة متطابقة مع مصالح فقراء الشعب السوري.
لقد أثبت الواقع عملياً أن من استفاد من ضخ الدولار في الأسواق وبلوغ سعره حداً قياسياً (137 ليرة سورية بسعر السوق) هما شريحتا التجار الذين ظل المصرف المركزي يؤمن الدولار لأجل مستورداتهم، والصيارفة الذين استفادوا من مزادات بيع الدولار ومن ثم ضاربوا على الليرة السورية وضاعفوا من أرباحهم الفلكية وأمعنوا في نزيفها، بينما بينت النتائج أن هذه الإجراءات التي تدّعي إنقاذ الليرة السورية تحت ذريعة إنقاذ المواطن ليست إلا تضليلاً.
إن منطق الأمور اليوم يقتضي أن تكون الضرورة الاقتصادية والسياسية هي إنقاذ غالبية الشعب السوري، وإن عملية إنقاذه تعني بالحد الأدنى تأمين حاجاته الأساسية من السلع والخدمات بأسعار يستطيع دفعها، فالمواطن البسيط غير معني بسعر صرف الدولار بالدرجة الأولى، بل ما يعنيه هو تأمين حاجاته.
إن تغيير أولويات الحكومة باتجاه جعل حاجات المواطن هي الأساس في هذه اللحظة الراهنة يفرض إعادة النظر بطريقة إدارة احتياطي العملات الصعبة الذي جمعه كل السوريين على مر السنوات من تعبهم، والذي تم استخدامه عملياً في المرحلة السابقة لمصلحة شريحة ضيقة من الشعب السوري، وهو ما يستدعي اليوم التصرف بمسؤولية عالية بالاحتياطي والعمل على وقف نزيفه، ثم تغيير دوره من إنقاذ سعر الصرف إلى تأمين حاجات المواطن الأساسية وذلك عبر عدة إجراءات تضمن ذلك أهمها:
- وقف ضخ العملات الصعبة في الأسواق إلا بشكل استثنائي وبإشراف أعلى سلطة في البلاد، فالمعركة الحالية سياسية بامتياز وليست اقتصادية فنية وحسب.
- منع التعامل بشكل كامل بالعملات غير السورية في الأسواق ومنع حيازتها ونقلها إلا بموافقة خطية من حاكم مصرف سورية المركزي مع توضيح أسباب الموافقة.
- تمويل المستوردات الضرورية لاستهلاك الشعب السوري عبر الدولة، وإيقاف تمويل مستوردات القطاع الخاص الذي يجب أن يتحمل وارداته بذاته.
- وقف تمويل استيراد المنتجات النهائية (المصنعة).
- دعم استيراد المواد الأولية الداخلة في الصناعة وفق أولويات حاجات الشعب السوري.
إن الإجراءات السابقة هي إجراءات دفاعية بامتياز، فهي ستخفض من نزيف السيولة غير المبرر اقتصادياً، إلا أنها لن تكون كافية وحدها لتأمين السيولة اللازمة التي تسمح للدولة السورية بالإمساك مجدداً باقتصادها. إن تأمين أموال كهذه ليس أمراً خيالياً، والواقع السوري يقول بكل وضوح إن إمكانية تأمين سيولة بعيداً عن جيوب المواطنين البسطاء هي إمكانية متاحة وقد تكون بمليارات الدولارات، لكن هذه الإمكانية تتطلب السير خلافاً لمنطق الليبرالية الذي يبحث عن الموارد في جيوب الفقراء ويتفادى جيوب الأغنياء. لقد بات ممكناً لا بل ضرورياً أن يتم تأمين السيولة عبر وضع اليد على أراضي وممتلكات حكام قَطَر وبيعها بمزادات علنية، كما ينبغي تأميم أصول الشركات الأجنبية التي ساهمت في حصارنا فهؤلاء أحد المستفيدين من سياسات الليبرالية القائمة في البلد، وإنه من غير المفهوم التأخر في وضع اليد على هذه الممتلكات، وخاصة ممتلكات قطر التي يثير بقاؤها على حالها شبهات وأسئلة كبيرة..
من الممكن بالإضافة إلى ذلك، إصدار سندات للخزينة بمعدلات فائدة مرتفعة تضمن حقوق المواطنين في المستقبل وتؤمن سيولة عالية لخزينة الدولة، كما يمكن تحرير بعض الأراضي المملوكة من الدولة وبيعها للمواطنين السوريين بأسعار مخفضة ضمن إجراءات تضمن عدم المضاربة.
إن إجراءات وضع اليد على ممتلكات مختلف الدول الغربية التي تحاصر سورية، وكل الإجراءات النقدية والاقتصادية والمالية السابقة، ليست محض إجراءات اقتصادية ضرورية وحسب، بل هي ضربة سياسية موجعة لمختلف خصوم الشعب السوري، وهو ما يتطلب إرادة سياسية حازمة سيكون لها قبولٌ شعبيٌ واسعٌ في اللحظات العصيبة، وهو ما سيؤمن إنقاذ غالبية الشعب السوري وبالتالي إنقاذ الدولة.