افتتاحية قاسيون 559: الحكومة الجديدة.. دلالات وتحديات
قبل الحديث عن الحكومة الجديدة ووظيفتها ومهامها والتحديات المطلوب مواجهتها وحل المشاكل العاجلة والتأسيس استراتيجياً نحو تغيير التوجه الاقتصادي-الاجتماعي السائد منذ سنوات لا بد من التذكير أننا كنا مع قيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة كجزء من الحل السياسي للخروج الآمن من الأزمة .لكن هذه الرؤية لم تتحقق وتحولت الى فرصة ضائعة أخرى مثلما سبق أن جرى التعامل مع نتائج اللقاء التشاوري في تموز 2011 وهذا زاد الأمور تعقيدا وأدى إلى تعميق الأزمة ورفع الكلفة الوطنية إلى مستوى خطير يهدد وحدة سورية أرضا وشعبا .
لاشك ان تركيبة الحكومة الجديدة التي ضمت د. قدري جميل في موقع النائب الاقتصادي ود.علي حيدر في موقع المصالحة الوطنية تحمل إشارات لافتة حول أهمية توجه نحو ملفين أساسيين في الأزمة باتجاه تغيير التوجه الاقتصادي من جهة وضرورة خلق طرق إبداعية لمعالجة الأزمة الراهنة من جهة أخرى . وهذان التوجهان من صلب برنامج الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير ، وعلى أساسهما وافقت على الدخول في الحكومة من موقع المعارضة الوطنية المسؤولة التي لا تبحث عن أي مكاسب بقدر ماهي معنية سياسياً ووطنياً واجتماعياً للخروج الآمن الأزمة الوطنية العميقة التي تعصف ببلدنا منذ أكثر من عام ونصف.
بالعودة إلى الإشارات والدلالات التي تشي بها تركيبة الحكومة ،فإنها تبقى في سياق الإمكانية التي لا يمكن أن تتحول الى واقع إلا بتوفر مجموعة من الشروط الواقعية والتغيير في ميزان القوى الداخلي باتجاه التغيير الحقيقي والجذري عبر الحوار الوطني الجدي والشامل .
ومن نافل القول إن تشكيلة الحكومة الجديدة سيكون لها إفرازات محددة في المجتمع والواقع السوري على رأسها:
1-إن قوى الفساد الكبير وممانعة التغيير في المجتمع والنظام والتي اوصلتنا إلى ما نحن فيه وتقف ضد تغيير النموذج الاقتصادي الليبرالي وضد الخروج الآمن من الأزمة وبالتالي ضد المصالحة الوطنية سترتفع درجة مقاومتها وتخريبها لأي حل سياسي يوقف العنف وسفك الدماء السورية.
2-كما أن المشاكل المعقدة التي ستواجه الحكومة الجديدة من مستويين.
مشاكل ما قبل الأزمة: وهي ذات طابع بنيوي عميق سببتها تلك السياسات الليبرالية – الاقتصادية التي أدت ليس إلى تهشيم قطاع الدولة بل أفضت إلى توطين الفقر والبطالة وتراجع النمو وغياب العدالة الاجتماعية وتراجع دور الدولة مع كل ما رافق ذلك من غياب للحريات السياسية وتهميش الكتلة الرئيسية المنتجة للخيرات المادية في المجتمع وفي المحصلة تراجع الاقتصاد الحقيقي لمصلحة القطاعات غير المادية سريعة الربح مما جعل الفقراء يزدادون فقرا وأصحاب الغنى الفاحش يزدادون غنى
المشاكل التي أفرزتها الأزمة : وهي مشاكل ذات طابع خانق ومباشر سببها التراجع في بعض القطاعات الاقتصادية والتوقف في بعضها الآخر وهذا ما انعكس سلبا على الموارد ناهيك تأثير المقاطعة والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها دول الغرب الاستعماري والنظام الرسمي العربي ومن هنا بدأت الأزمات المباشرة والخانقة تفرض نفسها على المواطن وفقراء المجتمع خصوصا مثل الكهرباء والغاز والمحروقات وغلاء أسعار السلع ذات الاستهلاك الشعبي الواسع بشكل جنوني.
وعليه فإن الحل يجب أن يكون مركبا وذا سرعتين:
- حل متدرج وجذري وثابت للمشاكل الاقتصادية البنيوية العميقة والمستوطنة.
-حل سريع وحاسم للمشاكل الجديدة والاختناقات التي أفرزتها الأزمة.
ومن هنا فإن الجمهور الذي يبني آمالاً على هذه الحكومة وتركيبتها مدعو لتحقيق ثقل مادي ضمن الواقع القائم من خلال الدفاع عن حقوقه بجرأة من أجل كسر مقاومة قوى الفساد التي تحدثنا عنها آنفا.
إن أداء الحكومة لدورها المطلوب في العمل على الخروج من الأزمة يتطلب العمل سريعاً على برنامج المصالحة الوطنية من جهة وعلى إيجاد حلول سريعة للاختناقات والمشاكل الجديدة التي خلقتها الأزمة لأن القيام بهذين الأمرين سيخلق المناخ المناسب للخروج من الأزمة إن الحكومة الجديدة بقدر ما هي أمل فهي تحد في الوقت نفسه كما تتوقف النتائج التي ستصل إليها على ميزان القوى الداخلي الذي يتغير باستمرار والذي من الممكن تثبيته بالاتجاه الجذري الوطني المعادي للفساد وهذا يتوقف في نهاية المطاف على فاعلية وضغط القوى الشعبية الواعية في الدفاع عن كرامتها ولقمتها وفي ذلك تأمين لكرامة الوطن والمواطن.