افتتاحية قاسيون 489: ثورة الشعب المصري والدروس المستفادة

افتتاحية قاسيون 489: ثورة الشعب المصري والدروس المستفادة

تنشغل الشعوب العربية وشعوب العالم بالثورة الشعبية الوطنية الشاملة في مصر، والتي تدخل يومها التاسع عشر معمدة بدماء مئات الشهداء وآلاف الجرحى في مواجهة مكشوفة بين إرادة شعب قرر التغيير وبين نظام دكتاتوري يستقوي على الجماهير بكل أجهزته القمعية ـ الفاشية وبتحالفاته مع القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية في المنطق.

وبعيداً عن أية إشادة وتبجيل ببطولات الشعب المصري ـ وشبابه على وجه الخصوص ـ وهو يستحق أكثر من ذلك بكثير لأن هذه الثورة ستغير وجه المنطقة وستأخذ دورها في تغيير ميزان القوى على المستوى العالمي لمصلحة حقيقة انفتاح الأفق أمام نهوض الشعوب الوطني والطبقي، وبالوقت ذاته سترسخ انسداد الأفق أمام قوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العالمية.

بعيداً عن ذلك، ولأن الحدث يجري في مصر بكل وزنها ودورها التاريخي المعروف قبل مجيء نظام السادات وحسني مبارك، لابد من إلقاء الضوء على بعض أهم الدروس المستفادة مما جرى في أرض الكنانة في العقود الأربعة الماضية:

ـ لقد سقطت القضية الوطنية في مصر على المستوى الرسمي والسياسي منذ أعلن السادات أن حرب 1973 هي آخر الحروب ضد «إسرائيل»، وأن «99% من أوراق الحل في المنطقة هي بيد الولايات المتحدة الأمريكية»!!

ـ وانعكس ذلك بشكل خطير على دور ووظيفة الجيش الوطني المصري بطل عبور قناة السويس، والذي قدم عشرات الآلاف من الشهداء في المواجهات مع العدو الصهيوني منذ عام 1948 وحتى حرب تشرين في العام 1973. وبكلام آخر فإن تخلي نظام السادات ومبارك عن القضية الوطنية قد شل الجيش المصري وغيّر عقيدته الوطنية والكفاحية، خصوصاً بعد التصفية التدريجية لكبار الضباط الوطنيين واستبدالهم بما يتوافق مع توجهات النظام القائم اللاوطنية، وهذا ما خلق وراكم حالة استياء في صفوف الضباط غير القياديين.

ـ وبالتوازي مع كل ما سبق، انتهج النظام في مصر السياسات الليبرالية الاقتصادية على أوسع مدى بحيث تحولت تلك السياسات إلى اقتصاد مافيوي يرعاه رأس النظام وقوى رأس المال الخارجية، وهذا ما أوصل الطبقات الفقيرة إلى درجة إفقار الشعب بشكل يفوق أي بلد عربي، وهنا فعل قانون التراكم الكمي فعله داخل المجتمع، وما نشهده اليوم هو من نتائج ذلك القانون تجاه الخيانة الوطنية وبالتوازي معها السياسات الليبرالية.

وفي معرض ردنا على أولئك الذين لا يميزون بين الوضع في مصر وفي سورية، سواء عن سوء نية أو بسبب القصور المعرفي، نقول التالي حول أهم الدروس المستفادة مما يجري في مصر:

إننا مع المواقف الوطنية لسورية في مواجهة المخططات الأمريكية ـ الصهيونية، والتي هي محصلة نضال الشعب السوري منذ معركة ميسلون وحتى اليوم، وتعكس إجماعاً شعبياً يجب ترسيخه بتعزيز الوحدة الوطنية وتعبئة قوى المجتمع الجبارة من عمال وفلاحين ومثقفين حقيقيين وجنود وضباط ومواطنين متساوين جميعاً بحقوق المواطنة الكاملة وواجباتها دون أي تمييز، وصولاً إلى تحرير الجولان المحتل.. ولأننا كذلك نرى أن من أهم الضرورات الوطنية الآن القطع الكامل مع جميع السياسات الليبرالية ـ الاقتصادية المتبعة وترحيل فريقها الاقتصادي، الذي يرى وظيفته الرئيسية الخصخصة وإفقار البلاد والعباد. وهذا يتطلب صياغة نموذج اقتصادي بديل عالي النمو مع أعمق عدالة اجتماعية، وهما الشرطان الضروريان لاقتصاد وطني حقيقي يتوافق مع احتياجات المجتمع السوري ويعزز دور بلدنا سورية عربياً وإقليمياً، وينقلها من خيار دعم المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق إلى قائد للمقاومة والنضال العام لشعوب المنطقة ضد المخططات الامبريالية والصهيونية..

إن الدراسة المعمقة والموضوعية للدرس المصري، يجعلنا نؤكد على ضرورة القيام دون إبطاء، بإصلاح شامل وجذري اقتصادي ـ اجتماعي وسياسي، يقوي ويحصّن موقع سورية الوطني في المواجهة المفروضة عليها قبل وبعد حرب تموز 2006. كما أن الإصلاح الحقيقي يربط المهام الوطنية العامة بالمهام الاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية، وهذا ما سيقطع الطريق حتماً على تقدم أية قوى رجعية من أعداء الداخل المرتبطين بالخارج لتركب موجة تدني مستوى المعيشة.

ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة التي تفاجأت بتسارع أحداث الثورة في مصر، نراها الآن تحاول التحكم ليس بنتائجها فقط، وصولاً إلى تعديل ميزان القوى داخل مصر، بل تعمل بشكل مكثف في السر والعلن على إحداث خلل في ميزان القوى لمصلحة مخططاتها في بلدان أخرى داخل العالم العربي، ونحسب أن سورية تأتي في طليعة الاستهداف العدواني لواشنطن وتل أبيب.

ومن هنا ليس هناك أكثر خطورة على أمن الوطن وكرامته من قوى الفساد والنهب اللذين يفقران الدولة والمجتمع، وهذا يتطلب قراراً سياسياً باجتثاث قوى الفساد، وهما كما أثبتت الأحداث في مصر، بوابات العبور للعدوان الخارجي، والتي لا ترى الوطن إلا في جيوبها، وهذه مهمة وطنية كبرى خصوصاً بعدما أثبتت التجارب في المنطقة والعالم الثالث أن حل المسألة الاجتماعية هو حجر الزاوية في تعزيز الوحدة الوطنية والاستقرار الاجتماعي، وفي هذا ضمانة لكرامة الوطن والمواطن. 

آخر تعديل على الإثنين, 07 نيسان/أبريل 2014 11:37