افتتاحية قاسيون 602: حتى تكون الفرصة غير ضائعة..
جاء لقاء لافروف – كيري الأخير في موسكو مؤخراً، ليؤكد في جوهره على أن الطرفين الدوليين الأساسيين اتفقا على نقل إحداثيات الصراع الجاري في سورية، من الشكل السابق إلى شكلٍ جديدٍ تؤطره حكومة وحدة وطنية وحوار سياسي داخلي..
وإن كانت الدعوة لمؤتمر دولي، يضم مجموعة واسعة من الدول المعنية أو المتدخلة بالشأن السوري، بحضور ممثلين عن النظام السوري وعن مختلف أطياف المعارضة، تحت يافطة بيان جنيف والتأكيد على الحل السياسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى تهيئة الأجواء لنقل البلاد نحو المخرج الآمن من الأزمة، هو خطوة مهمة وضرورية وكبيرة باتجاه ذلك المخرج، إلا أن ما يجب إيلاؤه الاهتمام الأكبر، هو أن واشنطن ومعسكرها، لم تغير أهدافها قطعاً، وإنما غدت اليوم مضطرة للعمل على تحقيقها ضمن الشكل الجديد للصراع الذي ستتعزز حظوظها فيه كلما كان مركز ثقله بعيداً عن القلب السوري، وأقرب إلى خطوط عملائها في الخارج..
ولكن ظروف الصراع الجديد، الصراع السياسي الواسع بين قوى وبرامج وأفكار مختلفة، هي بالذات الظروف المثالية التي تسمح بتثبيت مركز الثقل الأساسي لعملية التغيير في الداخل السوري، ذلك أن هذا النوع من الصراع، إذا ما استغل بشكل وطني ومسؤول، كفيلٌ بتحطيم الانقسامات العمودية الحاصلة ذات طابع «معارض» و«موال»، وذات الطابع الطائفي، ليحل محلها فرز عميق بين تيارين أساسيين، وطني ولاوطني.
ولذلك يجب على السوريين، على اختلاف مواقعهم، وعلى الرغم من التدويل المفروض عليهم بحكم تضييع النظام بالدرجة الأولى لسلسلة من الفرص المتتالية سابقاً، تحضير أنفسهم جيداً لإعادة نقل مركز الثقل نحو الداخل، ولتحقيق الفرز العميق المطلوب من أجل عملية التغيير الجذري الشامل، الأمر الذي يتطلب الإصرار على مجموعة نقاط أساسية هي:
إن وظيفة المؤتمر الدولي المزمع عقده نهاية الجاري، هي تحديد المبادئ العامة لحل الأزمة السورية بالحوار والحل السياسي ونبذ العنف من أي طرف كان وتوقف الأطراف الإقليمية والدولية عن دعم مرور المسلحين، وتسهيل عملية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي ستتابع جميع التفاصيل الأخرى في الداخل السوري.
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية هو أمر ضروري ومطلوب ولكنه ليس الأهم في المؤتمر الدولي، إذ أن الأكثر أهمية هو تثبيت الحل السياسي والحوار كنهج إجباري ينبغي على جميع الأطراف الالتزام به، لتهيئة مناخات الخروج الآمن من الأزمة عبر حل كل قضاياها ذات الصلة.
على الوطنيين تحضير مشاريعهم في جميع الملفات والاستحقاقات التي ستلي المؤتمر، من القضايا القانونية والدستورية والديمقراطية مروراً ببرامجهم الاقتصادية- الاجتماعية، وصولاً إلى آليات حماية سيادتهم الوطنية واسترجاع أراضيهم المحتلة، وإلا فإن تخلف الوطنيين عن ذلك سيضع زمام المبادرة بيد الطرف غير الوطني، أينما كان تموضعه الجغرافي، داخلياً أم خارجياً.
إن العدوان الإسرائيلي الوقح الذي جرى مؤخراً، يقدم الحجة والمبرر والسبب، لكي يسعى جميع الوطنيين في سورية إلى تحويل عملية «الرد المستدام» على هذا العدوان إلى نقطة عمل يومية، وإلى باب ينقل سورية في نموذجها الجديد من «الممانعة» إلى «المقاومة» وثم إلى «التحرير».
إن المعالجة الجدية والعميقة للسلوك القمعي لبعض الأجهزة الأمنية، ولما يسمى باللجان الشعبية، سيسهل آلام المخاض القادم، وخاصة أنه سيمنع احتمالاً كارثياً هو تحويل التحالف الجزئي والمخفي بين الفاسدين في طرفي الصراع، إلى تحالف شاملٍ ومعلن. وإن تحالفاً آسناً من هذا النوع لن يجد له مكاناً إلا في أحضان الغرب الاستعماري ومخططاته، الأمر الذي سيصعّب عملية نقل مركز الثقل نحو الداخل السوري.
إن المؤتمر الدولي المرتقب، هو فرصة لنقل مركز الثقل نحو الداخل لا يجوز تضييعها أبداً، كما حدث مع العديد من الفرص السابقة، ولذلك يجب استنفار جميع القوى الوطنية لتجهيز صفوفها وتسريع حركتها وفاعليتها لملاقاة الاستحقاقات القائمة، وهو لا يتعدى كونه استعداداً لطور جديد من الصراع في سورية وعليها، ولكن بتكييفه سيؤدي إلى فرز السوريين على نحو حقيقي غير وهمي بين وطنيين وغير وطنيين، بين منهوبين وناهبين، الفرز الذي باكتماله ستتهيأ أرضية حسم المعركة الوطنية على كل الجبهات، لتضمن مستقبل سورية لعقود قادمة.