افتتاحية قاسيون 527: من الذي يعيق الحل؟؟
بعد ثمانية أشهر على بدء الحركة الاحتجاجية التي ظهرت كتعبير عن أزمة وطنية عميقة، بقيت هذه الأزمة بعيدةً عن الحل، لا بل راحت تتطور وتتعقد تحت تأثير جملة من العوامل الداخلية والتدخلات الخارجية.
وما زال الدم السوري ينزف، لا بل يشتد هذا النزيف ويزداد عدد الضحايا من مدنيين وعسكريين، مع حصول انحسار في الحركة الشعبية السلمية وتزايد العمل المسلح، ودخول القوى الخارجية أكثر على خط الأزمة ودعم العمل المسلح.
كان واضحاً منذ بداية الأحداث أن هذه الأزمة تعني أنه لم يعد من الممكن استمرار الحالة السورية السابقة، لا سياسياً ولا اقتصادياً، وأن الوضع كان قد أصبح جاهزاً منذ أمد بعيد لحصول تغيرات عميقة في النظام السياسي وإصلاحات بالعمق نفسه في المجال الاقتصادي والاجتماعي، إن التأخر في هذه العمليات قد هيأ الأرضية للانفجار وهو ما حذرنا منه على مدى سنوات.
إن ما يمنع الآن السير باتجاه حل الأزمة هو سلوك القوى المتشددة في النظام وأجهزة الدولة ومن في حكمهم، وكذلك سلوك المتشددين في المعارضة.
وإذا كان متشددو أجهزة الدولة مدعومين من قوى الفساد الكبرى في أجهزة الدولة، وحلفائها في المجتمع، فإن متشددي المعارضة مدعومون وتشد أزرهم القوى الخارجية عربيةً ودوليةً، وقوى فساد ونهب في الداخل أيضاً.
الأولى تريد الإبقاء على الوضع السابق أو إيجاد وضع آخر تتم فيه المحافظة على مستوى النهب والفساد القائمين، والثانية تريد استبدال النظام بوضع يؤمن مصالح القوى الخارجية ويؤمن إلغاء الدور الإقليمي لسورية الممانع للسياسات الإمبريالية والصهيونية.
إن التعامل العنيف والخاطئ مع الحركة الشعبية على مدى أشهر قد سمح بنشوء بيئة مناسبة لتواجد وتحرك المسلحين، بيئة حاضنة لهم في عدة مناطق، ويمكن لهذه البيئة أن تمتد وتتسع إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، خاصةً في ظل اتساع عناصر التدخل الخارجي (الإعلامي، السياسي، وإمداد السلاح)، وفي ظل التلويح بإيجاد مناطق عازلة في بعض المناطق الحدودية.
وهنا ينبغي أيضاً فهم السلوك الأمريكي في هذه المسألة، إن التصريحات الأمريكية التي نصحت المسلحين بعدم إلقاء سلاحهم (تجاوباً مع مبادرة وزارة الداخلية بالعفو عنهم) بعد توقيع الورقة العربية، لم يكن هدفها الوحيد تشجيع المسلحين ودعمهم فقط، بل كان يهدف أيضاً إلى تقوية مواقع متشددي النظام وأجهزة الدولة في الوقت نفسه، والإبقاء على دائرة العنف وتوسيعها وتسريعها.
وفي ظل الوضع الحالي الملائم نسبياً من حيث كون الدور الروسي- الصيني يمنع التدخل الخارجي عبر مجلس الأمن، ويضطر القوى الخارجية للجوء إلى دعم القوى المتشددة المسلحة في المعارضة، وتأمين الظروف لها للنمو وخلق صدام مسلح دائم وطويل، يمكن أن يتطور إلى حرب أهلية طائفية يمكنها أن تودي بالبلاد نحو التقسيم. في ظل هذا الوضع، فإن المدخل للحل الآمن الذي يسمح بتحقيق الإصلاحات المطلوبة (بناء نظام سياسي جديد بكل مفرداته المعروفة، وتحقيق إصلاحات اقتصادية جذرية وعميقة)، يكمن هذا الحل في القضاء على المتشددين، كل المتشددين، سواءً في أجهزة الدولة عبر محاسبتهم وفتح ملفات كل من أراق دماء الأبرياء، أو المتشددين في صفوف المعارضة المسلحة الذين يريقون دماء المدنيين والعسكريين، إن من شأن البدء بالقضاء على المتشددين يعني كسر دائرة العنف من أجل وقفه، ومن شأنه أن يمنع إعاقات الحل السياسي الآمن، أو إعاقات بدء الحوار الوطني. كما من شأنه البد بخلق المستوى الضروري من الثقة بين الشارع والدولة، وتغيير واقع مستوى الثقة الضعيف القائم حالياً.
فعلى مدى الأشهر الماضية، هذه القوى هي التي كانت تعيق السير نحو الحوار الوطني الجدي الحقيقي، وهي ما زالت حتى الآن تعيق عملياً التغيرات الحقيقية من أجل بناء نظام سياسي جديد، وهذا التأخير والرفض والإعاقة قد كلف البلاد ألوف الضحايا، وفي حال استمرار الوضع بهذا الشكل يعني ألوفاً جديدةً من الضحايا.
إن كلفة التأخير في بدء التغيير تزداد، لا بل تتضاعف، ولابد من وضع حد للقوى التي تمانع الحل الآمن، فهذا الحل ليس دون حدود زمنية، هذه الحدود التي إن جرى تجاوزها يصبح الحل الآمن غير ممكن.