المالية العامة في 9 سنوات: تمويل بالتضخم والتهرب الضريبي 500 مليار ليرة
كلما اشتدت الأزمة اقتصادياً ازدادت التساؤلات حول إمكانية أن ترفع الدولة من أدائها المالي، وتوسع من مهماتها... ويتواجه هذا التساؤل المشروع مع الطرح الحكومي المستمر منذ بداية الأزمة الذي يقول: (ما في موارد). اليوم تنتقل الأزمة اقتصادياً إلى مستوى أعلى، ويصبح من الضروري مراجعة دور المالية العامة ومحاولة فهم: أين ذهبت الأموال العامة ومن أين أتت..؟
محاضرة بحثية في ورشة العمل التي أقامها المرصد العمالي للدراسات والبحوث حول السياسات المالية في سورية (الواقع والخيارات الممكنة). حللت فيها الحالة الراهنة للمالية العامة، تعرض قاسيون أبرز ما مر فيها.
انتقلت المحاضرة بين ثلاثة بنود أساسية في المالية العامة، أولاً: تحليل النفقات العامة وتغيراتها. وثانياً: تحليل الإيرادات العامة. وثالثاً وأخيراً: الهيكل الضريبي في سورية. منوهة في البداية إلى أن غياب الرقم الإحصائي المالي أدى للاعتماد على البيانات العامة للموازنة العامة للدولة، التي قد تكون منفذة فعلياً... وقد لا تكون.
على ماذا أنفقت الحكومة خلال 9 سنوات؟
ازداد الإنفاق الجاري الحكومي بين موازنات 2011-2019 بما يزيد على ستة أضعاف من 455 مليار ليرة وصولاً إلى 2782 مليار، بينما ازداد الإنفاق الاستثماري أقل من ثلاثة أضعاف، ليرتفع من 380 إلى 1100 مليار ليرة بين 2011-2019.
الإنفاق الحكومي الاستثماري كان يشكل نسبة 45% من الموازنات العامة في 2011، وأصبح يشكل نسبة تقارب الربع في الأعوام الأخيرة.
اتجهت نسبة الأجور والرواتب للانخفاض ضمن النفقات الجارية، لتنتقل من نسبة تقارب 35% ولتصل إلى نسبة 17% تقريباً.
انخفضت نسبة الديون والالتزامات الواجبة الأداء إلى 7% في 2019، منخفضة عن مستوى عام 2011 عندما قاربت 20%.
أهم بنود النفقات الجارية التي ازدادت حصتها، هي الدعم الاجتماعي، أو مساهمة الدولة في تثبيت الأسعار. فبينما كانت نسبته من الموازنة تقارب 5% في 2011، ارتفعت إلى 29% في 2019، بينما وصلت في 2013 إلى 45% من الموازنة لتنخفض بعدها سريعاً مع رفع الأسعار.
بالمقارنة بين أرقام الدعم هذه، تورد المحاضرة الإيرادات المقابلة من فروقات الأسعار، التي ترد في الميزانية نتيجة ارتفاع أسعار السلع التي تبيعها الحكومة، مثل: المحروقات، والتي انتقلت من 10 مليارات ليرة في عام 2012 وصولاً إلى 774 مليار ليرة في 2019.
تغطي إيرادات فروقات الأسعار التي يدفعها المواطن للحكومة نسبة 95% من الدعم الاجتماعي في عام 2019، بينما كانت هذه الإيرادات تزيد عن الدعم في أعوام 2016-2017-2018.
لقد كانت إيرادات فروق الأسعار في عام 2016 أكثر من ضعفي الدعم الاجتماعي، وحققت الحكومة إيرادات صافية من فروقات رفع أسعار السلع: 274 مليار ليرة، فهل اعتمدت الحكومة على التضخم ورفع أسعار السلع لتمويل الموازنة؟
المخصصات الاستثمارية للقطاعات منخفضة، وأغلبها لا تشكل نسبة تزيد عن 5% من الموازنة. حيث الصحة 2%، والزراعة 2,7%، والصناعة التحويلية 2,8% والتعليم 3% والنقل 4%. أما الكهرباء فمخصصاتها الاستثمارية هي الأعلى، ولكنّها لا تزيد عن 8,4%، بينما تشكل النفقات الإدارية الجارية نسبة 10% تقريباً!
نسبة تقارب 40% من النفقات الاستثمارية، تترك احتياطية ولا تخصص لقطاعات بعينها، بينما مخصصات إعادة الإعمار فثابتة عند 50 مليار ليرة، ولا تشكل إلّا نسبة: 1,2% من الموازنة في 2019.
تنجم إيرادات فروقات الأسعار عن رفع أسعار المواد الأساسية التي تبيعها الحكومة، مثل: المحروقات. ومنذ رفعها في عام 2016 أصبحت إيراداتها تغطي قِيَم دعم الأسعار المدرجة في الموازنات.
سنوات؟
شكلت الإيرادات الجارية من ضرائب ورسوم وفروقات أسعار النسبة الأكبر من إيرادات الحكومة بنسبة 64%، بينما قرابة 27% من الإيرادات استثمارية، والباقي أقل 9% يأتي من حقوق الدولة وإيراداتها الاستثنائية، من قطاعي النفط والاتصالات بالدرجة الأولى.
أكثر من 80% من إيرادات الموازنة توزعت على بنود أساسية: شكلت الضرائب والرسوم نسبة 11% تقريباً منها، بينما شكلت الإيرادات المتنوعة وتحديداً فروقات رفع أسعار المواد المباعة حكومياً نسبة 26% من إيرادات الموازنة، أما نسبة تزيد على 27% من الإيرادات فقد أتت من فوائض الموازنة والسيولة، وهي الإيرادات من ناتج عمل القطاع العام الاقتصادي، الذي تقول الحكومة أنه خاسر!
تم تمويل جزء هام من الموازنة عبر التضخم المرتبط برفع أسعار المنتجات الحكومية المباعة وتحديداً المحروقات، وعبر إيرادات القطاع العام الاقتصادي.
أما بتحليل مصادر الإيرادات العامة حسب الجهات الاقتصادية، فإن نسبة 55% من إيرادات الموازنة تأتي عبر القطاع العام، من ضرائب القطاع العام، وبدلات الخدمات وأملاك الدولة، والفائض المتاح. بينما نسبة 45% من إيرادات الموازنة تأتي من الأفراد، ضرائب على الرواتب والأجور وضرائب ورسوم غير مباشرة، وإيرادات فروقات الأسعار. بينما نسبة أقل من 3% من إيرادات الموازنة فقط تأتي من قطاع الأعمال عبر الضرائب المباشرة على الربح، وضريبة الدخل المقطوع.
التَّشوهُ الضريبي السوري..
نسبة تقل عن 3% من إيرادات الموازنة تأتي مباشرة من قطاع الأعمال، وينعكس هذا في النسبة المتدنية لضريبة أرباح الشركات في سورية، حيث يبلغ وسطي المعدل العالمي لضريبة دخل أرباح الشركات نسبة 24%، بينما في سورية النسبة 22%.
يدفع القطاع العام الاقتصادي نسبة ضريبة أرباح ضعف ضريبة الأرباح التي تدفعها الشركات المساهمة: 28% مقابل 14%.
تقاربت معدلات الضريبة خلال سنوات الأزمة، وأصبحت ضريبة أرباح الشركات الوسطية متقاربة مع ضريبة رواتب وأجور الأفراد عند نسبة 22% تقريباً. بعد أن كانت ضريبة الأرباح في عام 2003: 35%، وضريبة دخل الأجور عند 15%.
لا تشكل الضرائب المباشرة على الدخل إلا نسبة 2,3% من الناتج في سورية عام 2019، بينما كانت النسبة في عام 2011: 5,8%.
نسبة إجمالي الضرائب في سورية إلى الناتج المحلي الإجمالي، لا تتعدى 8,5% في عام 2019، بينما النسبة الوسطية في
اقتصادات البلدان النامية 15%، وفي الدول المتقدمة تصل إلى 40%.
500 مليار ليرة الحجم التقريبي للتهرب الضريبي، الذي يتضح من نسبة الضرائب والرسوم المنخفضة للناتج.
يبلغ عدد الشركات المساهمة ومحدودة المسؤولية: 5100 شركة وفق وزارة التجارة، ويتبين أن ضرائب أرباح شركة مساهمة واحدة فقط منها، يجب أن تشكل نسبة أكثر من 18% من ضرائب أرباح الشركات المدرجة في الموازنات! ما يشير إلى تهربٍ ضريبي كبير في هذه الشركات الـ 5000.
تساهم ضريبة الرواتب والأجور بنسبة 7,1% من إجمالي الضرائب والرسوم، وهي أعلى من ضريبة الدخل المقطوع التي يندرج ضمنها الأطباء والمهندسون وأصحاب المهن، وحتى شركات خاضعة للدخل المقطوع.
ضرائب الأرباح على شركات القطاع الخاص تبلغ 10,6%، مع العلم أن حصة القطاع الخاص تتجاوز 85% من الناتج المحلي الإجمالي.
من واجب الشركات التي تعمل على الأراضي السورية أن تقوم بواجبها اتجاه الدولة، وأن تكون شريكاً في تنمية الاقتصاد، وليست مستحوذاً أو مهيمناً على مقدرات البلد.
انخفضت ضرائب أرباح الشركات من 35% في عام 2003، لتصبح قرابة 22%، بينما ارتفعت ضرائب الأجور من 15% في عام 2003 لتصبح قرابة 22%.
طرحت محاضرة الدكتورة سيروب في النهاية تساؤلاً حول النقاط التي يجري الحديث والنقاش حولها في المالية العامة اليوم: فهل العجز في الموازنة العامة للدولة سببه كتلة الرواتب والأجور والدعم الاجتماعي، أم أنّ المساهم الأساسي في عجز الموازنة هي الفجوة الضريبية وتحديداً عدم دفع ضرائب دخل الأرباح المباشرة؟
وهل المشكلة قانونية، والحل يكون في إصلاح النظام الضريبي، أم أننا بحاجة إلى تطبيق القوانين الضريبية الحالية، ليتم لاحقاً تعديل السياسات الضريبية؟