العقوبات تشتد... والبراغي مرخية؟
وصلت العقوبات إلى مرحلة الإعاقة الجديّة لتوريد المشتقات النفطية، فالتضييق الأمريكي على الطرف الإيراني، وعلى شبكة التوريد المعتمدة سابقاً، يفتح الاحتمال لوجود نقص مستدام في الطاقة... ويعلم الجميع ما معنى هذا: فأيّ وضع اجتماعي لاقتصاد لا طاقة فيه؟!
لم تكن آلية النقل عبر الخط الائتماني الإيراني إلى سورية سريّة، ولم تكن تماماً خارج أعين العقوبات الغربية. ولكن الغرب لم يكن ينوي بعد استخدام سلاح تشديد العقوبات لمستويات أعلى، كما هو اليوم... لندخل مرحلة جديدة في المعركة السياسية المتمثلة بالأزمة السورية، حيث يستخدم الأمريكيون سطوتهم المالية والنقدية، وقدرتهم على مراقبة حركة الأموال في المصارف وحركة الشحن والتجارة، لتشديد العقوبات، وصولاً إلى تضييق وصول الطاقة إلى الاقتصاد السوري. الأمر الذي يعني سلسلة أزمات تصب زيتاً على نار عموم السوريين، من الرازحين تحت وطأة الكارثة الإنسانية لسنوات، وتفتح احتمالات الفوضى كما يسعى الغرب.
في مواجهة العقوبات، لا بد أولاً والأهم: تأمين استمرارية تدفق الطاقة، ليستطيع الاقتصاد السوري أن ينتج ويعتمد على ذاته لاحقاً.
الأمر الذي يعتمد عملياً على الوصول لاتفاقيات بين الدول، مع الأطراف الجاهزة لمواجهة العقوبات. اتفاقيات تؤمن العزل عن أعين الرقابة الغربية التي ترصد تحركات الدولار واليورو، عبر فتح حسابات بالعملات المحلية، واتفاقيات نقدية ومالية بين سورية والدول التي تتعامل معها على المستوى الرسمي، مثل: إيران وروسيا تحديداً. الأمر الذي لم يحصل رغم دخول العقوبات عامها التاسع... فحتى الاتحاد الأوروبي ورغم ارتباطه العميق بمنظومة الدولار، استطاع أن يؤمن لشركاته آلية رسمية ومعلنة تتيح تجاوز العقوبات على إيران، إن أرادت الشركات ذلك!
إن هذه العتبة الضرورية لم تتأمن حتى اليوم، ولا زالت كل التعاملات الخارجية تعتمد على «العملات الغربية الصعبة»، وعبر وسطاء وشركات يستخدمون حساباتهم الدولارية في مصارف الخارج ليقوموا بهذه العمليات الخطرة، وليحصلوا بالمقابل على حصص وأرباح استثنائية من العقوبات المفروضة على الشعب السوري... ليبقى هؤلاء والآليات المعتمدة عليهم رهن الضغوطات الغربية. بل أكثر من ذلك، لا زال هؤلاء قادرين على جني الأرباح من داخل سورية، وإخراجها دولارات لودائعهم في البنوك التابعة للمنظومة الغربية.. المسألة التي لا يعاقب الغرب رجال المال والأعمال السوريين عليها، بل يرونها أداة فعالة لإبقاء ارتباط هؤلاء بمنظومة الدولار.
إن تأمين الطاقة لسورية مسألة سياسية، وهي قابلة للحل في إطار التوازن الدولي الجديد، الذي يبتكر وسائل لمواجهة سلاح العقوبات الأمريكي المطبق بشكل واسع اليوم. ولكن هذه المسألة تتطلب إرادة سياسية للقطع مع الغرب، وإنهاء الأحلام الليبرالية «بأموال مستثمري إعادة الإعمار» التي أَصمَّت أذاننا الحكومات وهي تحلم بهم، وتدعوهم للمشاركة في النصر والإعمار.