جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

مداخلة «بريئة» على الاقتراح «البريء» لوزير الصناعة..

اقترح د. فؤاد عيسى الجوني وزير الصناعة في كلمته التي ألقاها أمام مجلس اتحاد نقابات العمال الذي انعقد في الرابع عشر من الشهر الجاري، بيع بعض الأراضي التابعة للقطاع العام الصناعي، والاستفادة من ثمنها في بناء معامل جديدة.. وذكر بعض المواقع مثل: أرض معمل الشاشات في حلب التي تقدّر قيمتها بستة مليارات ليرة سورية، أرض معمل الأسمنت في دمر.. وأراضي شركات أخرى متوقفة عن العمل.. لأنه إذا لم تستفد منها وزارة الصناعة، قد تأتي جهات أخرى لتستثمرها دون أن تحقق «وزارته» أي عائد منها..

هذا الكلام يبدو للوهلة الأولى منطقياً وبريئاً، ولكن من يمعن النظر فيه، ويقرأ ما بين سطوره، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تحاول فيها الحكومة جعل كل شيء قابلاً للبيع ضمن سياساتها الملبرلة، يتوجس مما قد يكون متوارياً خلف الأكمة..

فالقطاع العام الصناعي الذي لم ترصد الخطة الخمسية لتطويره سوى مئة وخمسة مليارات ل.س في خمس سنوات، وهو مبلغ يفوق تقديرات وزارة الصناعة بخمسة مليارات، وهو في الحالتين، لا يكفي لترميم ما اهتلك من بعض منشآته وتجهيزاته، يعاني اليوم من أعتى محاولات خصخصته، بعد أن أنهكه النهابون بسرقتهم له طوال عقود، وفي كل يوم نسمع من رجالات الحكومة من يدعو لطرح بعض صروحه للاستثمار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التجربة المرة للناس وللقطاع العام، مع الحكومة الحالية وفريقها الاقتصادي عموماً، ومع وزارة المالية بشكل خاص، تنقصها الثقة بالوعود، فلطالما جرى الحديث عن اقتطاعات مالية من مجال لترصد في مجال آخر، ثم نكتشف بأن ذلك لم يكن إلا زيفاً وذرّاً للرماد في العيون، وأكبر دليل على ذلك، ما جرى ويجري من تقليص للإنفاق الاستثماري، بحجة الاستفادة من المبالغ الموفّرة في مجالات أخرى، ولكن لم يرَ أحد إلا السراب.. وكل ذي بصيرة يرى التراجع الخطير الذي أصاب الخدمات العامة، من صحة وتعليم وكهرباء، وغيرها.. دون أن نشهد في المقابل أي تحسن في بقية القطاعات..

البعض يرى أن تصريحات وزير الصناعة يمكن أن تساعد على شراكات مع مستثمرين مخفيين، وما إن يمر الاقتراح ويجد آذاناً صاغية له حتى ينبري هؤلاء المتربصون لتقديم أسخى عروض الشراء، بكل ما يتضمن ذلك من عمولات دسمة لأولي الأمر، وهذا فيه وجهة نظر، ولطالما حدث ما يشابهه في السنوات الأخيرة، وربما نكتشف أن مديراً سابقاً أو راهناً، أو وزيراً سابقاً أو راهناً، هو المشتري العتيد وهذا أسوأ ما في القضية.. ولنكتشف دون أي جهد أن المبالغ المنهوبة من الشركة أو المؤسسة التي كان قيماً عليها، هي التي ستوظف للظفر بهذا الاستثمار..

والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت هذه الأراضي، وهي جزء من الرأسمال الثابت للقطاع الصناعي، قد أصبحت غير مناسبة للاستثمار الصناعي، فلماذا لا يتم استثمارها من القطاع العام نفسه في مجالات أخرى؟؟ هل المستثمرون المعولمون، المحليون وغير المحليين، أجدر وأولى بالاستثمار، أم أن عجلة اللبرلة دارت وأقلعت، وما علينا نحن المكتوين بنار أسعارها المحررة والمسحوقين تحت كلكلها الثقيل إلا التفرج والتحسّر؟؟

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.