تدهور القدرة الشرائية لدخل المواطن السوري الوجـبة الأساسـية للفـرد بين فـكي التضخم والسياسات الليبرالية
تشهد السياسات الاقتصادية في سورية وخاصة في السنوات الأخيرة تسارعاً في التحول بالاتجاه الليبرالي، الذي يكرس سياسة السوق الحرة والخصخصة، ويدفع نحو التخلي عن دعم القطاع العام تمهيداً لبيعه، ويسرّع عملية الانسحاب التدريجي للدولة من دورها الرعائي وصولاً إلى التخلي الكامل عن دورها الاجتماعي. وتحت شعار السوق «الاجتماعي» أطلقت الحكومة سياسة السوق المنفتحة والمنفلتة من قيود الرقابة ومن أية ضوابط ناظمة لحركة راس المال والاستثمارات، في حين يدّعي أصحاب القرار الاقتصادي بأن هذا الشكل من التوجهات الاقتصادية يراعي ويحافظ على مصالح الفئات والشرائح الاجتماعية الفقيرة وذوي الدخل المحدود، ولكن على أرض الواقع يزداد التناقض بين ما تصرح به الحكومة وبين ما ينفذ فعلياً، والذي يتناقض وبشكل واضح وفاضح مع مصالح غالبية الشرائح والفئات الاجتماعية الفقيرة والمفقرة، والتي تتزايد أعدادها باطراد ويتعمق فقرها بسرعة مخيفة، ليتم في سياق هذه السياسة التخلي عن كل ما له علاقة بالتنمية الاجتماعية البشرية التي هي مسؤولية الدولة قانونياً وموضوعياً.
إن الوجبة الأساسية للفرد خلال اليوم الواحد، التي صاغها مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات للاتحاد العام لنقابات العمال في عام 1987، والتي يحصل من خلالها المواطن المنتج على السعرات الحرارية التي تكفل له الحياة وإعادة إنتاج قوة عمله من جديد تتضمن المواد الغذائية الأساسية وكمياتها كما يلي: خيز 500 غرام، بيضة واحدة 50 غرام، جبنة 50 غرام، لحم 75 غرام، خضار مختلفة 250 غرام، فواكه 200 غرام، أرز 70 غرام. وفيما يلي جدول يبين نسبة قيمة الوجبة إلى الحد الأدنى للأجور خلال العقود الأخيرة:
أي أن الحد الأدنى للأجر قد ازداد اسمياً خلال الفترة المذكورة أكثر من 18 مرة، بينما انخفضت القوة الشرائية حوالي 384%.
إن الخسارة التي طرأت على القدرة الشرائية لدخل المواطن السوري أصابت جميع السلع الاستهلاكية وخاصة السلع ذات الاستهلاك المباشر والمتعلقة بسلة المعيشة اليومية للغالبية العظمى من الشعب السوري وذوي الدخل المحدود، وسنلاحظ الحجم الهائل في تدهور القدرة الشرائية خلال سنوات الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة على الرغم من الزيادات غير الدورية التي أضيفت إلى الرواتب والتي بلغت 65% من أساسها، ما يدل على أن السياسات الاقتصادية الحالية قد أنهكت المواطن السوري، وأضعفت القطاع العام وخسَّرته، ما فتح الباب واسعاً أمام المطالب الحالية لخصخصته والمتاجرة به.
إن حياة المواطن السوري ومستوى معيشته يتدهور بشكل سريع الأمر الذي يدعو بإلحاح لإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية في سورية على أساس استعادة الدولة لدورها الرعائي وأداء وظيفتها الاجتماعية، وذلك عن طريق إعادة النظر بمجمل القرارات التي أثرت سلباً على حياة المواطنين، وأولها التراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي ترتبط به معظم السلع التي تمس بشكل مباشر الحياة المعيشية اليومية للمواطنين، والتوقف عن تحرير الأسعار، واستعادة رقابة الدولة وضبطها لحركة الأسواق، وإعادة صياغة قوانين الاستثمار وفق شروط ومقتضيات التنمية الوطنية الشاملة التي تحقق الاستقرار والأمن الغذائي، وإعادة الاعتبار والمكانة الفعلية لقطاع الدولة الإنتاجي كونه الرائد الحقيقي في عملية النهوض التنموي، حيث أن شروط وعوامل الإنتاج الوطني وقوى الإنتاج الحية بحاجة إلى إعادة هيكلة، كما أن هناك ضرورة ملحة للعمل على إعادة بناء وتأسيس قطاعات إنتاجية تعتمد مستوى متطوراً من التقنية والتكنولوجيا.