وزارة الصناعة: الانغماس في «اللبرلة» تحت يافطة دعم الصناعة!
طرحت وزارة الصناعة رؤيتها حول واقع الصناعة السورية وآفاق تطورها وفقاً للخطة الخمسية الحادية عشرة، وقد تناولت هذه الرؤية الصناعات التحويلية وقطاع النسيج والصناعات الزراعية والكيمياوية والهندسية ومركز التطوير والتحديث الصناعي ومشروع دعم البنية التحتية للجودة ومشروع الصناعة من أجل التوظيف والنمو، ومشروع تأسيس مركز للتدريب التقني في دمشق واتحاد غرف الصناعة.
وقبل استعراض هذه الرؤية نشير إلى أن وزارة الصناعة قدمت خلال السنوات الخمس الماضية، وهي سنوات الخطة الخمسية العاشرة، قدمت العديد من مشاريع إصلاح القطاع العام الصناعي وتطوير الصناعة الوطنية، وكان من أبرز هذه المشاريع برنامج التحديث القطاعي والمؤسسي الخاص بالمؤسسة العامة للصناعات الغذائية، ومن أبرز ما طرحه هذا المشروع إعادة هيكلة الشركات التابعة وتوزيع العمالة الفائضة على شركات القطاع العام والخاص بعد إعادة تأهيلها وتدريبها في شركة عامة تنشأ لهذا الغرض، ولم ينفذ هذا المشروع.
وقدم مشروع مرسوم بهدف إصلاح القطاع العام، وجرت حوارات طويلة حوله، وشكلت لجان لمناقشته مع اتحاد العمال ورفض ولم ينفذ.
وقدمت مشاريع أخرى ورؤى عديدة للإصلاح الإداري ولإصلاح القطاع العام ولم تنفذ لأن الرؤية واضحة بالنسبة لوزارة الصناعة وللحكومة بشكل عام: إنهاء القطاع العام وعرض شركاته الإستراتيجية والرابحة على الشراكة مع القطاع الخاص، ويتولى القطاع الخاص هنا الإصلاح بشكل عام.
إذاً لماذا تمارس الحكومة الديماغوجية في هذا المجال؟
كيف يمكن أن نصدق ما تقوله وزارتا الصناعة والزراعة بأن التوجه في سورية نحو دعم الزراعة والصناعات الزراعية، ويواكب هذه التصريحات تحرير الأسمدة الذي ضرب الزراعة الوطنية مع تحرير أسعار المازوت وفي الوقت نفسه توقف أكثر معامل الألبان عن العمل؟! الاتحاد الأوربي مثلاً يدعم الزراعة سنوياً بأكثر من ثلاث مئة مليار دولار لأنها نمط حياة أكثر منها نشاط اقتصادي:
ماذا تقدم رؤية وزارة الصناعة؟
لا أدري كيف نفهم حماية الإنتاج الوطني في رؤية وزارة الصناعة والتي تقول بأن الصناعة بحاجة إلى مؤازرة من الحكومة والإنتاج الوطني بحاجة لنوع من الحماية، أو تطالب الوزارة بإصدار قانون حماية الصناعة الناشئة، كيف تفهم ذلك والوزارة أو الحكومة انسحبت من مهمتها في حماية وتسويق بعض المنتجات بشكل مفاجئ؟ وجرى ذلك في منتصف عام 2005 وقد أثر ذلك سلباً على أداء الشركات الوطنية في القطاعين العام والخاص من حيث تنفيذ خططها الإنتاجية وتحقيق الفوائض الاقتصادية.
والسؤال هنا أيضاً: ألا تستحق الصناعة الوطنية بعض الحماية أسوة بكافة دول العالم التي تحمي صناعاتها من سياسة الإغراق التي كفلتها منظمة التجارة العالمية؟ ونسأل أيضاً: من تطالب وزارة الصناعة في رؤيتها؟ هل تطالب العمال أم تطالب النقابات أم الحكومة، أم وزارة المالية تحديداً؟!.
هنا لابد من البحث عمن يقف في وجه وزارة الصناعة وتعطيل قراراتها!!
لم تشر الرؤية إلى التمويل لمركز تطوير وتحديث تطالب به ولدعم البنية التحتية للجودة، ولم تشر إلى الإنفاق الاستثماري الذي يتراجع من عدة سنوات وتشهد بذلك بيانات الموازنة العامة للدولة منذ أكثر من ست سنوات، ومن يطالع أرقام موازنات 2006 و2007 و2008 و2009 يكشف تغييراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام يتضمن تراجعاً عن دور الدولة التنموي. وقد أدى هذا إلى الضغط على إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام في حين لم يكن القطاع الخاص قادراً في ظروفه الراهنة وطبيعة رساميله وهياكلها ومصادرتها على ردم الفجوة الاستثمارية، أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدل الاستثمار في الخطة الخمسية العاشرة. وهذا انعكس سلباً أيضاً على إمكانيات خلق فرص عمل جديدة في سوق العمل. ولكن رؤية وزارة الصناعة تستطرد لتقول بأن تمويل مركز التدريب وتمويل الجودة من دول أوروبية.
تطالب الرؤية بالاتجاه نحو الصناعات الغذائية والزراعية العضوية وتؤكد على صناعة المكسرات وزيت الزيتون والحمضيات والفواكه. صدقت وزارة الصناعة في هذه الرؤية، لأنه وبعد تحرير أسعار السلع الأساسية كالمشتقات النفطية وحوامل الطاقة وتحرير أسعار الأسمدة وزيادة الكلف بشكل عام ضربت الزراعة في الصميم وأصبحت المحاصيل الإستراتيجية ثانوية كالقطن والحبوب، لذلك فأن الوزارة تؤكد على صناعة المكسرات وزيت الزيتون.
في كل الأحوال وزارة الصناعة قدمت رؤية ولم تقدم إستراتيجية، وقدمت كذلك أكثر من أربعة مشاريع لإصلاح القطاع العام لم تنفذ، لأن إستراتيجية الحكومة والتي باتت معلنة تقول بإنهاء القطاع العام، وضرب الصناعة الوطنية بالكامل.
وتتحدث الرؤية عن ضرورة تطوير قطاع النسيج وبرأي الوزارة يتطور هذا القطاع من خلال تأسيس المركز الفني للنسيج القادر على إجراء كل الاختبارات، ولكن الرؤية لم تشر إلى توقف أقسام الغزل في أكثر الشركات بسبب قدمها وعدم الموافقة على تجديدها، ولم تشر أيضاً إلى المنافسة وإلى إغراق السوق بالأقمشة المستوردة الصفية والممزوجة وعدم وجود صادرات ملحوظة من الأقمشة، ولم تشر الرؤية إلى أن صناعة الغزل والنسيج من أعرق الصناعات الوطنية في سورية وأقدمها ولها أهميتها الاقتصادية باعتبارها القطاع الإستراتيجي الثاني بعد النفط، كما أنها لم تشر إلى الخطط التي وضعت لضرب هذه الصناعة وتخسيرها ولكنها أشارت إلى تطور هذه الصناعة من خلال تأسيس مركز فني بتمويل أوروبي.
بالنسبة للقطاع العام تقول رؤية وزارة الصناعة: إن هناك جدلاً في الأوساط الاقتصادية بضرورة بقاء هذا القطاع من عدمه ونرى أنه مازال هناك ضرورة لبقاء القطاع العام والذي يساهم بما لا يقل عن /5 ـ 6%/ من الموازنة العامة للدولة، وخاصة أن سورية مازالت في حالة حرب مع العدو الإسرائيلي. لكن وفي ظل الانفتاح الاقتصادي الموجود والتنافسية لابد من تمكين القطاع العام الصناعي ليعمل بقواعد القطاع الخاص نفسها، وفي فقرة أخرى تقول رؤية وزارة الصناعة: «نرى أن تجربة استثمار القطاع الخاص لشركات القطاع العام بأي شكل من أشكال الاستثمار يعتبر تجربة ناجحة يجب تشجيعها والاستمرار بها كونها تؤمن مردوداً أفضل نتيجة التخلص من الفساد وسوء الإدارة ودون ضخ أموال عامة، وبالوقت نفسه المحافظة على العمالة وتأهيلها وتدريبها»
أليس غريباً أن تصدر هذه التناقضات عن وزارة الصناعة؟ إبقاء القطاع العام ولكن تقديمه للقطاع الخاص! وذلك للتخلص من الفساد وسوء الإدارة؟! وهذا يعني بشكل واضح أن الفساد أصبح أكبر من الحكومة والإدارة أصبحت عصية على الدولة، أما من ناحية الاطمئنان على إبقاء العمالة فالعمالة الموجودة حالياً في القطاع العام يتم تطفيشها من خلال حرمانها من التعويضات والحوافز والإضافي والطبابة، وأيضاً متوسط أعمار العمال أصبح (50 ـ 55) عاماً لذلك فالوزارة مطمئنة!.
في كل الأحوال السياسة الاقتصادية واضحة في أبعادها كافة، ولكن المطلوب بعض الشفافية من الجهات الوصائية.