العجز سمة ميزاننا التجاري .. والمتهم مجهول؟!
خمس سنوات عجاف مرّت على الميزان التجاري السوري، هذه السنوات المريرة التي حولته من الربح إلى العجز، في الوقت الذي تصرّ فيه الجهات الحكومية على اعتراف واحد وهو:
«أن تراجع الصادرات النفطية السبب في ارتفاع عجز الميزان التجاري»، لتحمله بذلك المسؤولية الكاملة عن هذا العجز، والذي بدأ في العام 2004 بقيمة إجمالية تبلغ 43 مليار ليرة سورية، ليرتفع بعدها بشكل تدريجي دراماتيكي إلى 105 مليار ليرة سورية في العام 2007، وصولاً إلى 132 مليار ليرة سورية في العام 2008، و131 مليار في العام 2009، في الوقت الذي كان يقدر فيه فائض الميزان التجاري السوري بـ80 مليار ليرة في العام 2002. هذا الارتفاع غير المبرر بحجمه وسرعة ارتفاعه، يحفز طرح العديد من التساؤلات وعلى رأسها: هل سورية بلد وحيد الموارد كالسعودية لكي يتأثر الميزان التجاري بتراجع النفط، وكلنا يعرف التنوع الكبير للصادرات السورية في الماضي القريب!؟ ولماذا تتعامى هذه الجهات عن توجيه اللوم لسياساتها التي أفقدت البلاد قسماً مهماً من الصادرات، وعلى رأسها «الزراعية» التي تشكل نحو خمس إجمالي الصادرات السورية؟ أليس تراجع هذا القطاع، واضطرارنا للاستيراد سبباً اًفي فقدان أحد أهم مكونات صادراتنا؟! فقائمة أسباب التراجع تطول إذا ما أردنا استكمالها، لكن الأهم هو حاجتنا لاعتراف حكومي بوجودها، وتصحيح هذه الأخطاء!!.. لآن الاعتراف بالخلل وبأسبابه الحقيقية هو الخطوة الأولى على طريق الحل..
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن تقريراً اقتصادياً صادراً عن غرف الزراعة والتجارة والصناعة العربية منذ فترة قصيرة، أشار إلى أن حجم عجز ميزاننا التجاري وصل إلى ما يقارب 6 مليارات دولار في العام 2009، وقرابة 4 مليار دولار في العام 2008، وهذان الرقمان يشكلان ضعف الرقم السوري المعلن والمعتمد، لكن الأهم، هو إشارة التقرير العربي إلى أن النمو الواضح في حجم التجارة الخارجية الذي سجلته سورية خلال عام 2008 و2009 يعود إلى ارتفاع حجم الواردات!.. لكن المفارقة الأكبر هي توضيح التقرير أن الصادرات النفطية ارتفعت بمعدل 27.5 في المائة لتبلغ 5.6 مليار دولار عام 2008 وتشكل 41 في المائة من الصادرات السورية، أي أن صادرات النفط لم تكن سبباً في هذا العجز في العام 2008 مثلاً، فلماذا سجلت سورية أعلى عجز في ميزانها التجاري في هذا العام إذاً؟! علماً أنه أعلى عجز يسجله الميزان التجاري في تاريخ الاقتصاد السوري!.. مما يضع التبريرات الحكومية في مهب رياح الأسباب التي اخترعتها وحملتها مسؤولية عجز الميزان التجاري!!..
لنبحث عن الأسباب الفعلية التي تقف وراء عجز الميزان التجاري في سورية، هذه هي المعادلة الأصح التي يجب الحديث عنها اليوم، خصوصاً بعد تفريغ التقرير العربي المبرر الحكومي الوحيد ( تراجع صادرات النفط) من مضمون السبب الوحيد الكامن وراء أزمة الميزان التجاري، فالحكومة قامت بمجموعة من الإجراءات الانفتاحية على الصعيد الاقتصادي، كما يشهد هذا الاقتصاد تحولاً في بنيته وفلسفته وتوجهاته، يضاف هذا إلى عدد غير قليل من الإجراءات المتبعة في سبيل تحرير التجارة، كما تنضوي سورية ضمن اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وعشرات الاتفاقات الثنائية، فأين مسؤولية كل هذه الإجراءات الانفتاحية في نشوء وتضخم مشكلة عجز الميزان التجاري، أليست مسبباً للاختلال الحالي في الميزان التجاري؟! وماذا سيكون حال هذا الميزان إذا ما تم فعلياً انضمام سورية إلى منظمة التجارة العالمية في الماضي القريب؟! أليس من الضروري أن يسأل منفذو ومعدو الخطة الخمسية عن مسؤولية خططهم وسياساتهم في قضية العجز الحالية، خصوصاً وأن العجز وتفاقمه بدأ مع انطلاقة الخطة الخمسية العاشرة؟ ولماذا فتحت السياسات التحريرية المتبعة باب الاستيراد على مصراعيه أمام القطاع الخاص الذي بات يستورد «كل ما يشتهي» ليضاعف مشكلة الميزان التجاري، فلماذا لا تقرر الحكومة الترشيد في مجال الاستيراد حفاظاً على ميزاننا التجاري أسوة بسياساتها الترشيدية الأخرى في مجالات الكهرباء والماء والإنفاق ..الخ؟! وذلك بما يخدم الاقتصاد السوري، ويحافظ على ماء وجهه صافياً؟!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.