محمد الذياب

محمد الذياب

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

غياب الحريات السياسية.. ونشاط قوى الظل!

كانت الأحاديث عن السياسة والوضع العام في سورية خلال العقود الثلاثة الماضية تجري همساً، وكان الهمس هو الواقعية بعينها، وهو الاستقرار والأمان السوريان، ومن كان يعلو صوته بالسياسة فهو شبهة على من حوله، ومورط لهم «ومعكّر للصفاء بين عناصر الأمة»، كما تسمّى إحدى تهم الرأي في محكمة أمن الدولة التي جرى حلّها، فأمست السياسة تابو حقيقياً بما يحمله من تناقض بين القدس والنجس، قدسه بوصفه تعبيراً عن حاجات الناس، ونجسه المتمثل بسوء العاقبة ورعب المآل..

الاتفاق على طريقة الصراع..

 

كثر الحديث مؤخراً عن توافق روسي- أمريكي بشأن الوصول إلى حل للأزمة السورية، الأمر الذي يفترض الدخول بتفاصيل المرحلة الانتقالية وتعريفها تعريفاً واضحاً من الجانبين.

الموقف الوطني السوري..لمن؟؟

تتسم سورية بالعديد من الميزات المطلقة في تاريخها السياسي والوطني، من قبيل أول بلد تشكلت فيه حركة منوّرين ونهضويين عرب مناهضة للاستعمار العثماني، هم شهداء السادس من أيار لاحقاً، والبلد الذي تصدًى قائد جيشه يوسف العظمة على رأس مئات المقاومين الوطنيين للجيش الفرنسي الغازي، محققاً عبر تلك الهزيمة العسكرية انتصاراً سياسياً هاماً أسس لثورة الخامس والعشرين، وأول بلد عربي ينال استقلاله من الاحتلال الأجنبي. أما الميزة المطلقة التي لا تزال معاصرة، والتي تستند إلى كل ما سبقها، تتمثّل في فشل أي نظام غير وطني بالإمساك بزمام البلاد، وارتهان أية قوة سياسية، تطمح للوصول إلى الحكم، بشرط الالتزام بالموقف الوطني، الذي يعني بالعام العداء للسياسات الاستعمارية في المنطقة والعالم، ويعني في الظرف المعاصر معاداة السياسات الأمريكية والاسرئيلية.

معارضة الحزب القائد..

ترتدي مسألة تجميع القوى المعارضة الوطنية السورية أهمية قصوى وضرورية في اطلاق عملية الحوار الوطني والحل السياسي. ومطلب تجميع قوى المعارضة يختلف بالجوهر عن مطلب «توحيد المعارضة»، فإذا كان الأول يعني جهوزية التشكيلة السياسية المعارضة للدخول في عملية الحوار، أي تكوين طرف معارض محاور في ظرف الأزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف برامج القوى المعارضة. فإن الثاني كان جزءاً من سيناريو تسليم السلطة المرتبط بالتدخل العسكري الخارجي، أو تسوية سياسية دولية، والذي يبخس حقوق قوى المعارضة بالتمايز عن بعضها بالبرامج. وهو ما ساهمت المعارضة الوطنية في إفشاله. لذا ينفتح الأفق اليوم من جديد لانطلاق الحل السياسي بعد أن أثبت الحل العسكري فشله، ويأتي ذلك نتيجة لتراجع إمكانية التدخل العسكري الخارجي. من هنا جاءت مبادرة طهران ونتائج مؤتمر حركة عدم الانحياز والمبادرة العراقية كالتأكيد على ضرورة الحل السياسي، وتبني خيار الحوار، ونبذ التدخل الخارجي والعنف من الطرفين..

مرسي والأزمة السورية..

يشكّل ملف العلاقات الخارجية المصرية، ودور مصر الإستراتيجي، استحقاقاً رئيسياً أمام القيادة السياسية المصرية الجديدة، وذلك بعد عقود أبعدت فيها مصر عن دورها التاريخي والوطني، فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، وسيادة المنطقة واستقلالها. لذا لم يعد بإمكان أي قوى تطرح نفسها بديلاً عن نظام مبارك أن تتراجع في هذا الملف الذي يعد مطلباً شعبياً مصرياً منذ ما قبل حرب غزة 2008 التي شارك النظام المصري في صناعتها من الجانب الإسرائيلي..

«جنيف-3»: التراجع الأمريكي مستمر!

يعود الحديث عن مؤتمر «جنيف» مجدّداً، ويحمل هذه المرة رقم 3 في تصريحات دبلوماسيي الأطراف الراعية، وتلك دلالةً لا بد منها؛ فالواقع اليوم يختلف عنه بالأمس، إذ بات من الضروري تمييز مسار الجولة الثالثة من التفاوض عن الجولتين السابقتين (جنيف الأول والثاني) اللتين مثّلتا بلا شكّ محطتين ضروريتين باتجاه الذهاب إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية، لكن العديد من جوانب النقص التي رافقتهما أعاقتا الدخول إلى أفق ذلك الحل، والبدء في تنفيذ مفرداته..

العلمانية كواجهة للإسلام السياسي..

لا تكفي الصبغة العلمانية وحدها، أو أية إشارة إيديولوجية اسمية، في تحديد الهوية الفعلية لأية حركة أو حزب أو تيار سياسي، لأن هوية أي اتجاه سياسي يحددها البرنامج السياسي والاقتصادي- الاجتماعي بالدرجة الأولى، فكم من أحزاب وقوى في التاريخ حملت السلاح ضد بعضها البعض على الرغم من أنها تشترك من حيث إسلاميتها أو مسيحيتها أو علمانيتها..إلخ، ولم يكن السر في ذلك (الطربوش) الإيديولوجي بقدر ما كان صراعها تعبيراً عن مصالح سياسية وطبقية متناقضة، واليوم تلبس بعض الشخصيات والقوى عباءة العلمانية لتكون واجهات وديكوراً لقوى سياسية معروفة بتعصبها وتطرفها اللذين وقفا حاجزاً بينها وبين الجماهير على مر عقود..

الفساد والانشقاقات.. حلقة جديدة

استندت عملية إدارة الأزمة في كل مراحلها إلى أجهزة وآليات وشخوص لا تمتلك موضوعياً المقدرة على الحل، وشمل القصور بالأداء مستويات الأزمة السياسية والأمنية والإعلامية، وأثبتت الوقائع الجارية أن المشكلة الأساسية في منطق إدارة الأزمة هي محاولة حل أزمة غير تقليدية بأدوات تقليدية، وجهل أو تجاهل للأسباب التي أطلقتها، والتي ما انفكت تغذيها حتى يومنا هذا، ذلك أن معظم الأدوات التي يستخدمها النظام في محاولته حل الأزمة هي بحد ذاتها جزء من المشكلة وجل أدائها يصب في خندق قوى الفساد داخل النظام ومجلس إسطنبول على حد سواء، وذلك من زاوية استمرار الصراع المسلح بما قد يودي بسورية كدولة وكشعب..

الحركة الشعبية كمنظّم جديد

تتكشف عيوب تآكل جهاز الدولة أكثر فأكثر في كل مرحلة من مراحل الأزمة السورية، فالستار الذي كان يمنع مراقبة آلية عمل جهاز الدولة بدأ بالزوال التدريجي منذ بداية الأزمة عملياً، وأصبح مستوى انتقاد الجماهير الواسعة لأداء ذلك الجهاز أكبر بكثير، ليس من جانب جمهور المعارضة فقط، بل أيضا من جانب جمهور الموالاة، ولاسيما أن الأزمة أضافت ملفات جديدة تنتظر الحل على عاتق هذا جهاز فوق التركة السابقة من الملفات التي كانت قد أظهرت الأزمة على السطح..

أما آن للمسلحين أن يتركوا خنادقهم؟؟

إذا استثنينا المعارضة الوطنية وبعض القوى في النظام التي دعت منذ بداية الأزمة في سورية إلى الحل السياسي، نستطيع القول إن القوى المتشددة في النظام تتقاسم مع المعارضة المسؤولية كاملة عن انتشار السلاح والاشتباكات المسلحة بين الجماهير وعلى الأرض، أما الأطراف الخارجية الداعمة للتسلح فلا يمكن وضعها بموضع الملامة لأنها أطراف معادية للوطن والشعب أساساً، والمحصلة كانت أن لجأت أجزاء واسعة من الحركة الشعبية إلى التسلح مجبرة أو متعاطفة أو مورّطة أحيانا من جانب المسلحين الباحثين عن غطاء شعبي، كما حدث في الأيام الأخيرة في دمشق، وكانت النتيجة أن أصبح الشعب هو الخاسر الأكبر، وأن انتقلت المبادرة من يده إلى أطراف أخرى بعيدة عنه سياسياً أو جغرافياً..