مرسي والأزمة السورية..
يشكّل ملف العلاقات الخارجية المصرية، ودور مصر الإستراتيجي، استحقاقاً رئيسياً أمام القيادة السياسية المصرية الجديدة، وذلك بعد عقود أبعدت فيها مصر عن دورها التاريخي والوطني، فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، وسيادة المنطقة واستقلالها. لذا لم يعد بإمكان أي قوى تطرح نفسها بديلاً عن نظام مبارك أن تتراجع في هذا الملف الذي يعد مطلباً شعبياً مصرياً منذ ما قبل حرب غزة 2008 التي شارك النظام المصري في صناعتها من الجانب الإسرائيلي..
واليوم، تعول الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية، ومن مواقع متناقضة، على الدور المصري المرتقب في التعاطي مع الملفات الساخنة في المنطقة، وعلى رأسها ملف الأزمة السورية، الذي لا يزال يتصدّر الأحداث في المنطقة، من زاوية علاقته العميقة ببقية قضايا المنطقة. والحقيقة أن الدور المصري بدأ يختط طريقه تحت ضغوطات جمّة من جانب الأطراف الدولية، وخصوصاً الأمريكي، الساعي إلى جذب مرسي إلى صف ما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يطلق مواقف وممارسات تؤدي بالضرورة إلى دوام أمد الصراع في سورية، والنأي عن الحلول والخروج من الأزمة، بما يبقي الأجواء جاهزة لاحتمال تفجير المنطقة برمتها ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد. فكانت الإشارات الأولى في مؤتمر حركة عدم الانحياز في طهران، فقد كان مرسي حريصاً على إبراز «تمايزه» عن طهران، وتأكيده على أن مصر لم تحسم بعد مسألة إعادة العلاقات الوثيقة مع طهران، ففي هذا المؤتمر الذي أطلق مبادرة إيرانية لحل الأزمة على أساس الحوار والمصالحة الوطنية وإطلاق عملية سياسية، دعا مرسي النظام إلى الرحيل، ليصطف بذلك إلى جانب الغرب الذي يجانب حل الأزمة كلما ساعدت الظروف على ذلك..
يعود تطرف مرسي في مؤتمر طهران، في أحد جوانبه، إلى وجوده في طهران بحد ذاته. أما في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة بتاريخ 592012 يظهر موقف مرسي على نحو أكثر وضوحاً على أرضه ووسط المسؤولين العرب، ليقول إنه يدعو النظام السوري لأن يكف عن «الإصغاء للأصوات التي تغريه بالبقاء» وأن «يتخذ قراراً صائباً في الوقت الصحيح فقد آن أوان التغيير» وأن فرصة حقن دماء السوريين تلوح في الأفق، المقصود بكل هذا طبعاً هو تجديد الدعوة لرحيل النظام.
إلا أن مرسي أحرز تقدماً في موقف مصر عندما أعلن رفضه «لأي تدخل أجنبي في الشأن السوري». والأهمية في هذ ا الموقف أنه يتعارض من حيث المبدأ مع مواقف السعودية وقطر وتركيا والغرب، إلا أنه، من ناحية عملية، يتعارض أيضا مع ما طرحه مرسي في الحديث نفسه، ولسنا بوارد الحديث عن مصلحة النظام، بل من زاوية مستقبل الدولة والشعب السوريين، إذ أن رفض التدخل الخارجي في الشأن السوري، يعني في المقابل أن الحل داخلي وعناصره هي قوى النظام والمعارضة والحركة الشعبية، لذا فلا يمكن استبعاد أي طرف من أطراف الأزمة الداخلية عن عملية الحل الداخلي، والمشكلة في أن دعوة النظام للرحيل هي مراوحة في المكان من حيث أنها تتجاهل وزنه على الأرض، وما له من قاعدة جماهيرية، وتتجاهل ميزان القوى العالمي الجديد، ناهيك عن أن الدعوة للرحيل هي تدخل بحد ذاته..
وما يثير القلق أيضاً أن مرسي الذي دعا إلى وحدة المعارضة في الحديث نفسه، تجاهل تماماً مبادرة هيئة التنسيق التي تشكل مكوناً هاماً من مكونات المعارضة الوطنية السورية والتي تشاطره الرأي في رفض التدخل الخارجي، على خلاف مجلس إسطنبول الذي يتعارض خطابه مع خطاب مرسي الأخير. هذا غير أن الدعوة لتوحيد المعارضة التي لم يعد خفياً أنها خطوة بإتجاه ما يسمى حكومة انتقالية أو نقل للسلطة، أيضا لم يأت مرسي على ذكر مبادرة طهران التي تتقاطع مع مبادرة هيئة التنسيق إلى حد كبير، بل رد عليها ضمناً، من خلال قوله «الأصوات التي تغري النظام بالبقاء» فهو يقصد روسيا والصين وإيران في هذا التصريح. لذا فإن مكونات خطاب مرسي فيما يتعلق بالأزمة السورية تحمل عملياً بذور خطابين متناقضين، ومرد ذلك هو طبيعة القيادة المصرية الجديدة وبنيتها التاريخية، فهي تعكس جزئياً مستوى البراغماتية الإخوانية، والتوفيق الذي يسعى إليه الإخوان تاريخياً بين خطاب شعبي وخطاب خاضع للسياسات الغربية، يضاف إلى هذا الضغوط التي يتعرض لها فريق مرسي من جانب الغرب.
أكثر ما يخشى مما يطرحه مرسي هو عرقلة صعود الدور المصري على مستوى حل الأزمة في سورية، من خلال وضع أهداف صحيحة والالتفاف عليها بواسطة الأدوات..
من المبكر اليوم التنبؤ بالمكان الذي سوف يرسو فيه قارب مرسي وفريقه، فما بين الضغوط الغربية والعقلية الإخوانية وقوى العادة، وما بين ضغط الإرادة الشعبية المصرية وتركة مبارك الثقيلة، وما بين الاستحقاقات الجديدة الوطنية والاقتصادية والديمقراطية ستتبين وجهة هذا الفريق ومستقره..