الاتفاق على طريقة الصراع..

الاتفاق على طريقة الصراع..

 

كثر الحديث مؤخراً عن توافق روسي- أمريكي بشأن الوصول إلى حل للأزمة السورية، الأمر الذي يفترض الدخول بتفاصيل المرحلة الانتقالية وتعريفها تعريفاً واضحاً من الجانبين.

وهذا الأمر ما يزال موضع خلاف بينهما، إذ لم يغير أي من هذين الطرفين موقفه من الأزمة السورية، لكنهما اتفقا ولو شكلياً على الطريقة التي ينبغي للصراع أن يمضي فيها.

بالنسبة للدور الأمريكي فهو يعاني تراجعاً على المستوى الدولي، ظهرت ملامحه في خضم الأزمة السورية، مع فشل الولايات المتحدة بالدفع بإتجاه التدخل العسكري في سورية داخل مجلس الأمن وخارجه، وهذا التراجع ليس مؤقتأ أو عابراً، بل هو بالجوهر نتيجة لأزمة النظام الرأسمالي العالمي الاقتصادية الذي تقف أمريكا في طليعته. مقابل هذا التراجع يصعد الدور الروسي والصيني على الصعيد الدولي، وبالمحصلة يميل ميزان القوى الدولي إلى تعددية الأقطاب، وترتهن أي خطوة دولية بحدود دنيا من التوافقات، ومنها الأزمة السورية، ومن هنا يأتي هذا التوافق حولها، وهو لا يزال قيد التشكل.

وقفت أمريكا ضد الحل السياسي خلال الفترة الماضية، ودعمت العمل المسلح والتدخل العسكري غير المباشر بما كان يخدم سياساتها في إضعاف دور سورية في المنطقة، وإحراقها من الداخل. وفي ظل نضج الحل السياسي موضوعياً، كان من الصعب الاستمرار بهذا السلوك طويلا، لأن ذلك يحمل إمكانية فقدانها السيطرة على أدواتها المختلفة، ويضعف دورها في معادلة الصراع، ويمنح زمام المبادرة والفاعلية للأطراف الدولية الأخرى التي ما انفكت تدعو إلى حل سياسي للأزمة السورية، وعلى رأسها روسيا والصين وإيران. لذا ذهبت الولايات المتحدة إلى الموافقة على حل سياسي لتطرح أوراقها من داخله، تحديداً في مسألة تعريف المرحلة الانتقالية. فمن وجهة النظر الأمريكية ينبغي إبرام صفقة يجري بموجبها الاتفاق على رموز الفترة الانتقالية دولياً، بحيث تضمن نفوذها لاحقاً داخل الحياة السياسية السورية، وهذا أمر مهم بالنسبة لها في ظل خساراتها المتتالية لنقاط نفوذها في المنطقة والعالم على وقع أزماتها المختلفة..

تظهر روسيا في المقابل أكثر موضوعية إزاء مفردات الحل السياسي المختلفة، إذ تقترح ترك تعريف المرحلة الانتقالية للداخل السوري، عبر انتخابات ديمقراطية تجري بعد وقف العنف من الطرفين وإجراء حوار وطني بدون شروط، بينما يقتصر دور المجتمع الدولي على تهيئة المناخ المناسب لذلك. ذلك أن وقف العنف وإطلاق عملية سياسية هو بحد ذاته انتصار للموقف الروسي المطمئن لنتائج الحل السياسي في ظل تراجع الدور الأمريكي.

وردت المعطيات هذي في لقاء جنيف الثاني في 1112013 وما يزال الخلاف قائما، الأمر الذي يشي بأن العملية السياسية سوف تأخذ وقتاً أطول مما قد يعتقد البعض، إذ أن العمل المسلح لن يتوقف دفعة واحدة بل سيتراجع تدريجياً بالمنحى العام. بالتزامن سوف تتقدم العملية السياسية أيضاً بشكل تدريجي، وربما تتعرض لمحاولات نسف من داخلها وخارجها في مراحل مختلفة من جانب القوى المتشددة في النظام والمعارضة، على المستوى الداخلي، ومن جانب الأطراف الدولية التي تتعارض مصالحها مع الحل السياسي وعلى رأسها أمريكا. فالمفردة الأساسية في المرحلة الانتقالية هي البدء بحوار وطني شامل يجمع كل الأطراف المعنية بحل الأزمة، والتي من البديهي أنها لن تأتي دفعة واحدة إليه، بل يفترض أن ينطلق الحوار ولا يتوقف حتى تلتحق به كل القوى الفاعلة في الأزمة، لذا سيكون ممكناً أن تتعرض تجربة الحوار إلى إعاقات مختلفة من جانب الغرب والقوى الحليفة له..

إن لحظة التوافق على الحل السياسي للأزمة السورية هي لحظة افتراق الدورين، الروسي صعوداً والأمريكي هبوطاً، وهذا الظرف سيساعد ميزان القوى الداخلي كي يكون فاعلاً، ويدفع جميع القوى السياسية السورية الحقيقية إلى الالتحاق بالحل السياسي والحوار الوطني ويعزل القوى المتشددة في الطرفين ويظهر حجمها الحقيقي..