سماحة السيد أحمد الحسني البغدادي: عدم الإفتاء بطرد المحتلين من أعظم المنافيات الإسلامية
إليكم فيما يلي مقتطفات من حوار أجراه آية الله، سماحة السيد المقاوم أحمد الحسني البغدادي مع موقع «الزمان»، وهو منشور أيضاً في موقع السيد.. وقد تم أخذ الإذن بنشره من سماحته.. (قاسيون)
هو داعية الأمة للابتعاد عن الصراعات المذهبية والعرقية والإثنية، إنه الحفيد الأكبر للإمام المجاهد محمد الحسني البغدادي المتوفى 1973م، سماحة الأخ المرجع القائد آية الله العظمى أحمد الحسني البغدادي.. الذي لا تؤمن أطروحاته الرسالية بالواقعية السياسية والتوفيقية، ولا بالعملية السياسية الجارية في العراق، بل تؤمن بالجهاد السياسي والفكري والمسلح..
• سماحة السيد كيف تقيّم ما آل إليه الوضع في العراق بعد سبع سنوات من الاحتلال؟
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.. أنا حزين لسببين:
السبب الأول: إني أرى بأم عيني العراق محترقاً على كل الصعد، فإلى متى لا تحل معاناة أبنائه في الداخل، ومن المهجرين في البراري والدول الصديقة والدول الاستكبارية في الخارج، وإلى متى لا يعاد النظر بكل المقررات والتوصيات والقوانين، التي صدرت في هذه السنين السبع العجاف، وإلى متى يبقى ملف ضباط الجيش العراقي معلقاً من دون اتخاذ أي إجراء كرد اعتبار وطني لهم، وإلى متى لا يعزز القطاع الزراعي والصناعي العام، وإيقاف الاستثمار والخصخصة وسلع العولمة، هذه كلها تشكل المساس بالأمن الوطني، والتلاعب بالاستقرار الاجتماعي، لأن القطاع الخاص لا يسعى إلا لتحقيق الربح والمنفعة الشخصية لأصحاب هذه الشركات الاحتكارية الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار حاجة المجتمع وتنميته، مما جعل هؤلاء يتخذون قراراتهم الثأرية الاستثمارية حينما جاءتهم الفرصة السانحة لإظهار حقدهم، والأخذ بثأرهم التوراتي، بسبب الانفتاح والاحتلال وبسببه سنسمح بديمومة المياه الملوثة، والأوبئة المرعبة كالسرطان، والايدز، تفتك بأهلنا، بل وسنسمح بموت أطفالنا من أمراض قابلة للعلاج، بسبب شح الأدوية في المراكز والمستشفيات، وإلى متى يبقى الاضطراب الكبير بين الناس، وهيمنة الميليشيات المسلحة المتحالفة مع قوات الاحتلال، والتي تساهم هي الأخرى بإرباك السلم الأهلي، والإرباك الاقتصادي من خلال تصفية حسابات سياسية لصالحها ولصالح قوى إقليمية ودولية، إلى متى سنستمر بالتستر على اللصوص والمفسدين والملوثين والمتسللين الغرباء، وسفاكي الدماء من خلال الأحزمة الناسفة، والسيارات المفخخة، بهدف خلط الأوراق وفي سبيل تركيعنا لنقبل بالنظام «الديمقراطي»، الذي يرتئيه العدو المحتل المجرم؟؟؟...
السبب الثاني: تركت الثقافة الموروثة تئن تحت عبء «الفرقة الناجية»، وهي فرقة «السلطة الحاكمة»، و«الفرقة الهالكة»، وهي فرقة القوى المعارضة، فغابت التعددية السياسية الحقيقية، وتجذرت الأزمة الشعبوية، ووقع رفاق الوطن الواحد في صراعات سياسية، ومعارك جانبية بين الموالاة والمعارضة، وبين السلطة والأمة، وبين الشرعية والصورية، وبين الإرهاب والمقاومة، وبين الاستقلال والتبعية، وبين الوطنيين والخونة، وبين الواقعية والاستسلام، وبين النصر والهزيمة... وهذا الحزب يفسق تياراً إسلامياً، وذاك التيار يخون حزباً وطنيا، وهذه الطائفة تكفر تلك الطائفة..
• كيف السبيل للخلاص من مفهوم «الفوضى الخلاقة» وتناقضاتها المرعبة؟
تقويض هذه المؤامرة لا يتم إلا في تحقيق وحدة الأوطان العربية والإسلامية، وإزالة الحدود المصطنعة، التي هي من مخالفات بقايا الاستعمار القديم، واتفاقية سايكس- بيكو.. هذا هو الحل الوحيد، وهذا هو المثل الأعلى بصرف النظر عن تعدديتها المذهبية والإثنية والعرقية..
• بوصفكم من الخط المقاوم والرافض للاحتلال، كيف وجدتم هذا الخط؟ وهل لكم رؤية نقدية على مسيرته في العراق خلال الفترة الماضية؟
قبل الغزوة (الأميركية– البريطانية) لبلاد وادي الرافدين، كان يتصور الغزاة أن العراقيين سوف ينثرون الورود والرياحين والدموع تنهمر من عيون المستقبلين على دباباتهم بسبب هيمنة الدكتاتورية والاستبداد، وإذ يفاجأ هؤلاء الغزاة بمواجهة عنيفة بطولية من المقاومة الوطنية والإسلامية بعد احتلال بغداد مباشرة، فكانت صدمة موجعة لم تكن بالحسبان، وبادرت قوى الاحتلال مباشرة بالتصريح بأن «المثلث السني» هو الذي يقاوم حيث حاولوا أن يدخلوا في ذهنية الرأي العام العالمي بأن الشيعة مع المشروع الأميركي.. ليس هناك «مربع شيعي» أو «مثلث سني»، وإنما كل العراقيين الأماجد يعارضون ويقاومون هذا الاحتلال... وقد أصبحت هذه المقاومة تتخذ الأسلوب الأمثل ضد هؤلاء الغزاة من خلال التنظيمات المجهرية، وليس من خلال التنظيمات الخيطية والخلوية التي اخترقت جدارها المخابرات المحلية أو الإقليمية أو العالمية، لذا أفشلت هذه المقاومة المشروع الأميركي في العراق وفي المنطقة، ونسفت ما سمي بالفوضى الخلاقة، ولولا المقاومة العراقية وصمودها لتحقق المشروع الصهيوني في سبيل تحويل المنطقة إلى دويلات وكانتونات.. وإن ما يتعرض المقاومة من تهميش متعمد نتيجة الضغوط الكبيرة التي تمارسها الحكومة على الإعلام.
• نشرت وسائل الإعلام تصريحاً منسوباً لسماحتكم مفاده: إذا خرجت عاهرات العراق في تظاهرة استنكارية لمناهضة الاحتلال الأميركي أنا أول من يشارك معهن في هذه التظاهرة، وإذا كان هذا التصريح حقيقة واقعة، إذَاً من حقنا أنْ نستفسرَ ـ كمؤمنين ـ أيجوز شرعاً وعرفاً التظاهر مع الساقطات، وما الدليل على ذلك؟
لو زنى شيخ كبير في أمه بالكعبة المشرفة وهو محدودب الظهر رجله في قبره وهو يتحسس بآلام المستضعفين أفضل من «مرجع ديني» متصد لقيادة المسلمين لم يفت حتى الآن في وجوب طرد المحتلين الكافرين، لأن هذا السكوت المطبق من وجهة شرعية من أعظم المنافيات الإسلامية، وفيه المردودات السلبية الخطيرة على مبادئ الأمة ومثلها السامية من خلال تأكيدات القرآن والسنة الصحيحة.
• قرأت فتواك الشهيرة في مقابلة حوارية في جريدة «قاسيون» السورية، في كانون الثاني 2008م، والتي صرحت بها بعدم إلحاد الشيوعيين المسلمين الذين يؤمنون بالتوحيد والرسالة بـ«القول لا بالتطبيق»، وأستفسر عن كلمة قالها ماركس بأن «الدين أفيون الشعوب».. هذا الاعتقاد أليس دليلاً على «إلحادهم»؟
إن مقولة ماركس الشهيرة: (الدين أفيون الشعوب) حقيقة لامناص منها من وجهة نظره بوصفه لم يقرأ الدين المحمدي الأصيل الذي لا يرضى بالخنوع والذل والعبودية واستغلال الإنسان للإنسان، ولا يدعو إلى التخلف والضياع في متاهات الجهل والشعوذة، وإنما قرأ استغلال السياسة للدين المسيحي... من هنا استُغلت هذه المقولة من قبل الثورة الرجعية المضادة بأن الشيوعيين المسلمين بلا استثناء ملحدون.
وقد أجبت عن سؤال وجه لي في وقتها، وقلت إذا كان الانتماء سياسياً مع البقاء على عقائدهم الدينية بحيث لم ولن يظهروا جحودها، أو إنكار ضرورة من ضروريات أصول الدين فهم ليسوا ملحدين.
• الماركسية ــ اللينينية تعارض «الملكية الخاصة»، وتدعو لمحوها كونها مرحلة خاصة من الرأسمالية، بل هي مصدر الشر في العالم، بينما الإسلام يؤمن بـ«الملكية الفردية»، برأيكم هل يمكن أن نتفق مع التعاليم الماركسيةــ اللينينية في هذا الطرح الذي يمكن يقضي على تسلط الملكيات المطلقة؟
يمكن أن نتفق فيما لو أجمعت الأمة كلها على إلغاء الملكية الخاصة، ويجوز ذلك عندي، لأن الملكية من منظور إسلامي من الأمور الاعتبارية، وهذا هو أحد العناصر الرئيسية التي تتفق فيها الماركسية مع «التخطيط الإلهي العام»، لأن الملكية الاحتكارية ليست قدراً أبدياً على الجماعات البشرية، بل هي لا محال صائرة إلى الزوال والفناء مع ما تحمل من استغلال واستعمار ودمار وأحزان ومتاهات مرعبة.
■ اللقاء كاملاً منشور على موقع قاسيون