الحل هو إفلاس النظام الرأسمالي العالمي وانهياره
بعد الأزمة العاصفة التي تهدد اليونان بالوقوع في هاوية الإفلاس جاذبة معها كلاً من البرتغال واسبانيا وايرلندة وأيسلندا إلى أخر المسبحة إلى هذه الهاوية، أعطى جون لبسكي صورة قاتمة للأوضاع في الدول المتقدمة التي تعاني من مديونيات لم تسجل منذ الحرب العالمية الثانية.
فقد وصلت في اليابان إلى نسبة 229% من ناتجها المحلي وهذا الأمر ينطبق على ايطاليا التي تجاوز مجموع ديونها 200% وهي تسمى الآن بـ«رجل أوروبا المريض». وهناك دول رأسمالية عديدة وقعت في هوة المديونية سابقاً ولم تستطع أن تتجاوزها مثل تركيا والمكسيك والأرجنتين، وكذلك يجب ألا ننسى الأزمة التي أصابت الدول التي سميت بالنمور الآسيوية وكادت أن تعلن إفلاسها بعد المضاربات المالية التي قام بها الملياردير الأمريكي اليهودي سورس وتبلغ مديونية كوريا الجنوبية الآن 425 مليار دولار .
وتشير آخر البيانات إلى أن الديون المتراكمة على أمريكا لا تقل عن 13 تريليون دولار وإذا أضفنا لهذا الرقم الديون المخفية سيرتفع إلى 22 تريليون دولار تقريباً.
إن مشكلة المديونية أصبحت سمة بنيوية ملازمة لكل الدول الرأسمالية في العالم سواء كانت من الأكثر تعقلاً أو الأكثر إسرافاً، وإن لم تكن هذه السمة ظاهرة بهذا الشكل الفاقع في النظام الرأسمالي العالمي رغم وجودها فيه تاريخياً إلا أنها برزت في مرحلته الامبريالية حيث الاحتكارات الضخمة والشركات العابرة للجنسية والتمركز الشديد للثروة بأيدي قلة من الأغنياء فأوجدت فيه تشوّهات بنيوية، مرتبطة به وأصبح غير قادر على العيش دونها.
إن نمط الاستهلاك الذي شكله النظام الرأسمالي يعتبر السبب الرئيسي لهذا التجلي، فإن آليات النهب المرتفعة لدول الجنوب من قبل الشمال الرأسمالي والتي تتمثل حالياً بمقص الأسعار والقروض بفوائد ربوية والتبعية التكنولوجية وهجرة العقول سمحت له بتأسيس نمط للاستهلاك على مدى نصف قرن لم يكن خلاله قادراً على ترشيد الإنفاق والذي أصبح مفرطا في بعض البلدان، كأمريكا مثلاً. وقد خفف هذا النمط إلى حد كبير من التوترات الاجتماعية التي يسببها التناقض الأساسي بين العمل ورأس المال، وكان لا بد للحفاظ على هذا النمط من نفقات إضافية هائلة تتمثل في إنشاء الجيوش وتسليحها والدخول في أحلاف كالناتو مثلاً. وبسبب أن النهب الجائر للطبيعة ولدول العالم الثالث وصل إلى حد لا يمكن الاستمرار به كما كان سابقاً، وبسبب الأزمات البنيوية والدورية العامة التي أصابت النظام الرأسمالي العالمي والتي تتبدى بالبطالة والتضخم وعجز الميزان التجاري وعجز الموازنة كان لا بد من الاستدانة عبر قروض مختلفة خارجية وداخلية. وتعتبر سندات الخزينة الشكل الأمثل لها وهي قرض لمدة طويلة يحقق لمشتريه الحصول على عائد سنوي، وسندات الخزانة تطرحها الدولة عبر البنك المركزي للاقتراض من المؤسسات والأفراد وتنظم هذه العملية عن طريق وزارة المالية.
إن خفض معدلات المديونية إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي وهو المعدل الذي سبق الأزمة، يتطلب تحقيق فائض في الموازنة يوازي 4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 من عجز بنسبة 4% في 2010. أي يتطلب نمواً سنوياً لا يقل عن 8% وهي نسبة تصلح بالكاد لخلق أعداد الوظائف المطلوب أن يوفرها الساسة في بلادهم.
وقد حاول بعض الخبراء الاقتصاديين والماليين في العالم حل هذه المشكلة واقترحوا رفع نسبة التضخم الذي سيؤدي إلى تآكل الديون المستحقة لكن الخبير الاقتصادي كوتاريلي يقول: إن «التضخم لن يستطيع حل المشكلة» ويضيف أنه يمكن زيادة التضخم لـ12، بل و20%، لكن ذلك يضع الاقتصاد بحلقة مفرغة من حلقات التضخم.
ولم يبق أمام النظام الرأسمالي العالمي سوى حل واحد هو الحرب والتي بدأتها أمريكا بما يسمى الحرب على الإرهاب وباعتبار أن التناقضات بين المراكز الرأسمالية ماتزال محتداً حول تقاسم مناطق النفوذ. وكانت الحرب العالمية الأولى والثانية تعبيراً عن إعادة تقاسم مناطق النفوذ بين المراكز الامبريالية على أساس التوازنات الناشئة حينذاك.
وباعتبار أن شكل الحرب العالمية الثالثة لن يكون عادياً بل نووياً وإذا عرفنا بأن القنبلة النووية تعادل المئات من القنابل الذرية فإن الحرب القادمة ستكون الأخيرة وستؤدي إلى فناء البشرية، وباختصار فإن الرأسمالية وصلت إلى طريق مسدود وإن كانت البداية سقوط اليونان في هوة الإفلاس فإن هذه الهوة واسعة وقادرة على استيعاب إفلاس باقي الدول الرأسمالية التي لن ينجو منها أحد، وتشير الوقائع والمؤشرات إلى أن الأزمة التي تعصف بالنظام الرأسمالي ما زالت في بدايتها وهي مرشحة للتفاقم لاحقاً، وارتفاع أسعار العقارات عالمياً ليس سوى غطاء كاذب للانتعاش. لذلك فإن البلدان الغنية والفقيرة التي تسير على درب الرأسمالية لن تنجو من المديونية إلا بالقضاء على النظام الرأسمالي العالمي وانهياره. ولا حل آخر لمشكلة المديونية هذه إطلاقاً.