مراسل قاسيون
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
كانت سورية بلداً منتجاً للمحاصيل الإستراتيجية كالقمح والقطن، إضافة للمحاصيل الأخرى كالشوندر والذرة الصفراء والزيتون والحمضيات والفواكه والخضار..وكانت تحقق فائضاً يتيح لها أن تستفيد من العديد منها، في الصناعات التحويلية كحلج القطن وغزله ونسيجه والسكر وما يرافقه من إنتاج مواد أخرى، وصناعات غذائية كمعامل الكونسروة والزيوت وغيرها.. وهذا ما حقق لها شبه اكتفاء ذاتي، وأمناً غذائياً وأماناً اجتماعياً،واستقلالاً نسبياً في قرارها السياسي. على الرّغم من كلّ النهب والفساد، وأنّ غالبية علاقاتها مع الغرب الرأسمالي..!
كان القطاع الصّحي أول ضحايا السياسات الليبرالية وتراجع دور الدولة فيه مع ازدياد النهب والفساد..ورغم ذلك بقي هذا القطاع الخدمي يُقدم للمواطنين الفقراء ما يستطيع من خدمات..وبقي أفضل وأرحم من القطاع الخاص، الذي يمارس النهب على حساب آلام المواطنين وحتى حياتهم، مع قوى الفساد المرتبطة به قبل الأزمة، وتضاعف ذلك عدة مرات خلالها، مع دخول المسلحين وخروج كثيرٍ من المناطق عن سيطرة الدولة، ومع انتشار التلوث، وعودة أمراض كانت قد انقرضت كالسل وشلل الأطفال وظهور أمراض جديدة.
بعد يوم واحد من دخول مقاتلي ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى مدينة الموصل في شمال العراق قبل أيام، تغيرت الصورة كثيراً في محافظة الحسكة، التي تشهد تأثيراً مختلفاً للأزمة السورية عما هو الحال عليه في باقي محافظات البلاد، وتعتمد على الجوار العراقي لتوفير أبسط متطلبات الحياة.
قبل الأزمة انفتحت الحكومة السورية بسياساتها الليبرالية على تركيا، بشكلٍ دون النظر إلى الانعكاسات الخطيرة لذلك اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً، فتدفقت البضائع التركية لتغزو الأسواق السورية وتدمر الإنتاج السوري غير المحمي من الدولة، وعدم تأمين الحماية له لاحقاً، وهذا ما ترك آثاره على المنتجين والعمال السوريين، وعلى المستهلكين وكان ذلك سبباً مهماً من أسباب انفجار الحراك الشعبي وتحول الأوضاع إلى أزمة وطنية شاملة وتفاقمها نتيجة التعامل معها بعقلية إدارتها وليس حلّها..
لعبت السياسات الليبرالية التي طبقت في سورية في السنوات الأخيرة دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية في مختلف جوانبها، والاجتماعية سواء كانت الإنسانية منها أم الخدمية.. وأهم ذلك هو تحرير التجارة وتحرير الأسعار، مما أضعف دور الدولة كشبكة أمان اجتماعي وأدى إلى زيادة النهب والفساد وتضاعفه، ومنها القطاع الصحي كالأدوية وتكاليف العلاج..
نص قانون تنظيم شؤون مجالس المدن والبلدات والبلدان، الصادر منذ سنوات، في الجانب المالي منه على أن تصرف أجور العاملين في هذه المجالس من الإيرادات المالية الذاتية لهذه المجالس، حيث تأتي إيرادات هذه المجالس بشكل رئيسي من الجبايات الضريبية على المحال التجارية و الصناعية و الحرفية و إشغال الأرصفة لتلك الوحدات الإدارية.
إذا كان انخفاض موسم القمح وانعدامه في العديد في المناطق المتوترة، وخروج مساحات كبيرة من الزراعة بسبب انخفاض مستوى بحيرة السد، وقطع تركيا لمياه نهر الفرات، وعلى سبيل المثال مشروع «بئر الهشم» في الرقة ومساحته 28 ألف هكتار، مما يهدد الأمن الغذائي، فإن موسم الخضروات أيضاً في كل أنحاء البلاد يشكل خطورة أخرى عليه.
تدهورت الأحوال الأمنية والخدمية في مدينة حلب لدرجة كبيرة، فالمدينة تعاني من استمرار قذائف الهاون وجرار الغاز والقصف المدفعي المتواصل والانقطاع المتوالي للمياه عنها والتلوث البيئي والحشرات الغريبة والقوارض والقمامة.
تصاعدت الاشتباكات الدامية مؤخراً في أحياء مدينة دير الزور المتوترة، وخاصةً في (الصناعة- الجبيلة- الحويقة- الرشدية) وحي الحميدية، الذي حدثت فيه مجزرة راح ضحيتها ثمانية من المدنيين الأبرياء والفقراء.
تعيش الحسكة منذ أكثر من ثلاث سنوات تحت تأثيرات الأزمة التي طالت كل المحافظات بأشكال مختلفة، بعضها عسكري بحت، وآخر اقتصادي، لكنه في الحسكة اتخذ شكلاً مختلفاً من خلال غياب كامل للحكومة ومؤسساتها الرسمية، عن أداء واجباتها تجاه السكان، وحضورها القوي عند تحصيل الحقوق.