الحسكة.. حضور قوي للحكومة لتحصيل الحقوق وغياب عند الواجبات

الحسكة.. حضور قوي للحكومة لتحصيل الحقوق وغياب عند الواجبات

تعيش الحسكة منذ أكثر من ثلاث سنوات تحت تأثيرات الأزمة التي طالت كل المحافظات بأشكال مختلفة، بعضها عسكري بحت، وآخر اقتصادي، لكنه في الحسكة اتخذ شكلاً مختلفاً من خلال غياب كامل للحكومة ومؤسساتها الرسمية، عن أداء واجباتها تجاه السكان، وحضورها القوي عند تحصيل الحقوق.

وتصنف الحسكة في معايير الحكومة كمحافظة «آمنة»، حيث تسيطر الدولة على غالبية مدنها وبلداتها، باستثناء بعض المناطق الريفية النائية التي هجرها سكانها واستقروا في مدينتي الحسكة والقامشلي، كما أن المواجهات العسكرية القليلة التي وقعت سابقاً لا تقارن من حيث الشدة بما جرى في مناطق أخرى كريف دمشق وحمص وحلب.

الواقع ومعايير التصنيف

لكن على أرض الواقع، يمكن تصنيف المحافظة على أنها خارج سيطرة الدولة منذ نحو عامين على الأقل، بسبب التأثير الاقتصادي السلبي والوضع المعيشي الصعب للسكان مع ارتفاع جنوني للأسعار، وغياب كامل لشبكة الهاتف النقال، وانقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة يومياً، إضافة لباقي الخدمات الأساسية.

تعمل مؤسسات الدولة في المحافظة بشكل اعتيادي، وتنفذ برامجها الرسمية بشكل كامل في كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و الرياضية، ويندر أن يمر شهر دون أن يزور المحافظة وزير من الحكومة ويتجول في مدنها. لكن لا تتعدى هذه البرامج الحكومية الشكل، ولا يلمس سكان المحافظة أي تأثير لها مع ثبات الواقع المأساوي على ما هو عليه دون وجود تبرير رسمي مقنع، يوضح الأسباب ويعيد للحكومة دورها الغائب بشكل غير مفهوم.

حكومة الرسوم.. الكهرباء مثالاً

لم يكن سكان المحافظة بانتظار عودة الكهرباء بعد أكثر من عامين على انقطاعه، وتقنين الكهرباء لعشرين ساعة يومياً وأحياناً أكثر وهو أمر تم الاعتياد عليه، وأوجد الناس حلولهم الخاصة من خلال الاعتماد على مولدات كهربائية منزلية تعمل على البنزين والمازوت، فيما تشهد ظاهرة المولدات الكبيرة التي تغذي نحو 50 منزلاً انتشاراً واسعاً مقابل اشتراك شهري لا يقل عن ثلاثة آلاف ليرة، رغم أنه يزيد من أعباء المعيشة ويحرم منه الفقراء.

لكن الحملة الرسمية التي بدأتها وزارة الكهرباء لدفع رسوم الاستجرار، والتطبيق الصارم لها في محافظة الحسكة، يثير الكثير من التساؤل عن التعاون الكبير بين مختلف مؤسسات الدولة في استرداد حقوقها المشروعة، في وقت يغيب هذا التعاون عن أي أمر يتعلق بخدمة المواطن.

لا معاملة دون الفاتورة!

ووصل التعاون الرسمي لاسترداد رسوم الكهرباء ذروته عند تدخل الحواجز العسكرية المنتشرة على الطرقات الرئيسية في مدن المحافظة وخارجها وطلبهم من المارين إبراز آخر فاتورة كهرباء. ناهيك عن طلب كل المؤسسات الرسمية الأخرى للفاتورة ضمن أي معاملة أو موافقة أو ترخيص.

جهود غائبة

لا يمكن تسجيل أي دور إيجابي لمؤسسات الدولة في المحافظة، ما لم يلمس المواطن تغييراً في حياته، ومع غياب الكثير من الخدمات الأساسية بشكل مستمر منذ أكثر من عامين، فإن الحديث عن جهود المسؤولين في المحافظة لمواجهة الأزمة وتبعاتها، والتي يعرضها أحياناً الإعلام الرسمي لا يمكن أن تقنع أحداً.