برسم وزارة الصحة: الطبُّ مَهَمّة إنسانية قبل أن يكون مِهنة..!

برسم وزارة الصحة: الطبُّ مَهَمّة إنسانية قبل أن يكون مِهنة..!

لعبت السياسات الليبرالية التي طبقت في سورية في السنوات الأخيرة دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية في مختلف جوانبها، والاجتماعية سواء كانت الإنسانية منها أم الخدمية.. وأهم ذلك هو تحرير التجارة وتحرير الأسعار، مما أضعف دور الدولة كشبكة أمان اجتماعي وأدى إلى زيادة النهب والفساد وتضاعفه، ومنها القطاع الصحي كالأدوية وتكاليف العلاج..

لقد انعكس ذلك مباشرةً على حياة المواطنين الفقراء، وعلى العاملين في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية فيها، وجاءت الأزمة والتعامل معها بعقلية إدارتها وليس حلّها، وهيمنة المسلحين على العديد من المدن والأرياف، ليفاقم ذلك ويضاعفه مراتٍ عديدة. مما أدّى إلى خروج العديد من المستوصفات والمشافي التابعة للدولة من الخدمة، ووقوع المواطنين تحت رحمة القطاع الخاص والأطباء الجشعين الذين يهمهم الربح، ولو على أرواح المواطنين وآلامهم، فتحول الطبّ من مهمة إنسانية إلى مهنة للربح والنهب والاستغلال.

مشافي الدولة والفساد

رغم أن مشافي الدولة أصبحت بؤرةً للفساد، واصطياد المرضى من قبل العديد من الأطباء ومشافي القطاع الخاص.. ورغم السياسات الصحية كتحويل بعض المشافي إلى هيئات مستقلة واعتماد نظام الاستشفاء، الذي يحمّل المواطنين أعباءً كبيرة فوق معاناتهم، وكذلك رغم نقص الكادر الطبي ونقص الأدوية أحياناً، إلاّ أنها ما زالت تقدم العديد من الخدمات، وما زالت أرحم وأفضل من القطاع الخاص حتى في ظروف الأزمة الحالية. لكنّ نسبة عالية من الأطباء العاملين في هذه المشافي يكتفون بالدوام ساعة أو ساعتين فيها، ثم يغادرون إلى عياداتهم وإلى المشافي الخاصة، ويتركون العمل للأطباء المقيمين الذي لم يكتسبوا بعد الخبرة الكافية، وذلك بعد اصطياد المرضى بشكلٍ مباشر أو عبر سماسرة لهم، ليمارسوا تشليح المواطن وحتى التلاعب بحياته. كما يجري تعطيل الأجهزة الطبية وتأخير إصلاحها عمداً من قبل بعض شركات الصيانة، والمعاملة اللاإنسانية من الكوادر غالباً، مما يضطر المواطنين للاتجاه للقطاع الخاص ولا ينفي ذلك حقيقة أنّ كثيراً من الأطباء الشرفاء يقومون بأكثر من واجبهم وأكبر من الإمكانيات المتوفرة. 

كما أن كثيراً من الأدوية القلبية والنفسية وأدوية الأمراض الدائمة كمواد غسيل الكلى وغيرها يختفي قسم منها ويبقى منها القليل لذوي الحظوة.. بل حتى بعض المواد الإسعافية، رغم تصريحات المسؤولين الكبار ومنهم وزير الصحة بأن الأدوية متوفرة وتفي بالحاجة..!

المشافي الخاصة أداة نهب مباشر

بعد اصطياد المرضى وأسرهم التي تتعلق ولو بقشة لإنقاذ أبنائهم أو التخفيف من آلامهم، يطلب بعض هؤلاء الأطباء الجشعين منهم مراجعته في عيادته و«تعشيمهم» بالآمال الكبيرة، ويشترط إجراء العمل الجراحي في هذه المشفى الخاصة أو تلك.. رغم توفر إمكانية تنفيذها في المشفى الحكومي. 

ويتبع ذلك التكاليف الباهظة للصور والتحاليل والأدوية التي ترتبط بشركات معينة تقدم عمولة كبيرة أو نسبةً إضافية، وقد تبين أن القيمة الدوائية فيها أقل من النسب اللازمة للعلاج، وكذلك الإقامة وغيرها وبأسعار خيالية، وعلى المريض وأسرته تسديد نصف المبلغ مقدماً وما بيدهم حيلة.. لتأتي النتائج فيما بعد مخيبة للآمال..!؟

جشع ومتاجرة بالأرواح

تقدمت أسرة المريض «ح.م» الذي يعاني من فشل كلوي، بشكوى لـ«قاسيون» تؤكد بأن الطبيب «ن.ط»، الأخصائي بجراحة الأوعية والذي يعمل بإحدى مشافي الدولة، قال لهم «إن زرع قسطرة دائمة للغسيل الكلوي ممكنة ونسبة نجاحها 75%»، وطلب 75 ألف ليرة سورية واشترط إجراءها في مشفى «م.د»، وأنه في حال فشل العملية سيعيد لهم نصف المبلغ. وفعلاً ذهبوا يوم الثلاثاء 10/6/2014 إلى المشفى المذكور، واضطروا لتسديد نصف المبلغ 35 ألفاً لإدخال المريض إلى غرفة العمليات، لكنهم فوجئوا أنه طلب منهم فوراً بعد انتهاء العملية بنقله إلى المشفى العام وأنه بحاجة إلى إنعاش وغسيل دم فوري، بل وساهم بدفع النقالة بسرعة لإخراجه خارج المشفى، ولم يدخله إلى إنعاش المشفى ذاتها التي رفضت حتى نقله بسيارات إسعافها، مما اضطرهم لطلب سيارة إسعافٍ سريع ونقله إلى المشفى العام الذي لم يقصر فيه رئيس قسم الغسيل وأوعز بتنفيذ ذلك، لكن لعدم وجود سرير وجهاز غسيل فارغ اضطروا إلى إبقائه على النقالة حوالي أربع ساعات، وبدأ الغسيل الساعة السادسة مساءً.

التنصل من المسؤولية!

وتبين أن الطبيب «ن.ط» قد طلب من رئيس القسم تأخير الغسيل للساعة السادسة، وأن القسطرة المزروعة لم تكن دائمة، كما أكد الأطباء المقيمون، وأن المريض بخطر وقد أخرجه من المشفى لينفي مسؤوليته ومسؤولية المشفى وتوفي المريض إثر نزيف.

ولدى مراجعة الطبيب «ن.ط» الذي أجرى العملية نفى مسؤوليته بعد أن تغيّر لونه و «أن القسطرة دائمة».. وأرادت أسرة المتوفى تقديم شكوى، لكن اضطرارهم إلى نقله إلى محافظة دير الزور لدفنه حال دون تقديم الشكوى ليس فقط من أجل مريضهم الذي توفي، وإنما لمنع تكرار هذه الممارسات على المواطنين الفقراء من الطبيب ذاته ومن المشفى الخاص، وهم على استعداد لنقل ذلك لوزير الصحة مع وجود الشهود على ذلك.

مطالب محقة

ونحن إذ ننقل هذه الحادثة ومثلها الكثير، نتوجه إلى السيد وزير الصحة للمتابعة وإجراء التحقيق والمحاسبة، كما نطالبه بإلزام الأطباء بالدوام الكامل والتواجد في أماكن عملهم والقيام بواجبهم الإنساني قبل المهني وتوفير مستلزمات العلاج كافة كحلٍ سريع، حرصاً على حياة المواطنين وكرامتهم وخاصةً في الظروف الحالية واستعادة دور الدولة كشبكة أمان اجتماعي.. ونؤكد أن الحل الدائم والمستقبلي هو تأميم الطب.