مادة التوجيه المهني في المدارس بين الضرورة والواقع!
عمار سليم عمار سليم

مادة التوجيه المهني في المدارس بين الضرورة والواقع!

تحدثنا في أعداد سابقة عن المناهج المعتمدة في وزارة التربية، وعن أدائها من حيث رفع السوية العلمية لدى الطلاب، وعن صعوبة تنفيذها، وعن المشكلات المنهجية والعلمية فيها، وقلنا مراراً: إن التعليم بمختلف فروعه العام والمهني والزراعي هو من يصنع جيلاً قادراً على البناء والتنمية.

فما هي الخطوة الجديدة لوزارة التربية في هذا المضمار؟

ورد مؤخراً تصريح لوزير التربية الدكتور دارم الطباع عبر إحدى الإذاعات المحلية أن: «الوزارة تعمل على إدخال مادة التوجيه المهني بدءاً من الصف الرابع الابتدائي وحتى الصف التاسع، وأن للطالب حق اختيار الفرع حسب رغبته من الصف العاشر».
لا شك أن توجيه الجيل مهنياً، وإكسابه القدرة على التعامل مع أدوات الصناعة أو الزراعة وغيرها من المهن، هي ضرورة ملحة وهامة، لأن قاعدة النمو تقوم على الصناعة والزراعة، لكن ما مدى فاعلية التعليم المهني أصلاً في سورية؟

المدارس المهنية وكوادرها

نلحظ أن أكثر الطلاب المسجلين في المدارس المهنية لم يدخلوها عن ميول ورغبة منهم، وإنما لقصور في معدلهم الدراسي الذي لم يؤهلهم للدراسة في المدارس العامة، وهي تفتقر إلى مستلزماتها كما تفتقر المدارس العامة إلى مستلزماتها من الوسائل وإلى المعدات والكوادر، ومن ناحية أخرى، الخريجون من هذه المدارس لا تستقبلهم سوق العمل، فهم في الواقع مشروع فئة عاطلة عن العمل، أو ربما سيعملون في مجال آخر بعيد عن مهنتهم، عداك عن ضعف التحصيل في المهارات، بسبب ضعف الأداء لتلك المدارس بأسبابه الكثيرة والمعروفة، ومن أهمها: ضعف أجور المعلمين المهنيين وعزوفهم عن التعليم، فحقوقهم مهضومة كسائر المعلمين في القطاع التربوي، وليس المهني بأحسن حالاً منهم، بالإضافة إلى المشكلات التعليمية والتدريبية الأخرى وطرق الاختبار فيها.
فإذا كان هذا الحال في التعليم المهني في الأصل، فكيف ستكون الحال في مادة التوجيه المهني في المدارس، وفي مرحلة الطفولة المبكرة في الصف الرابع الابتدائي؟

الطلاب حقلٌ للتجارب

من يسمع كلام الوزير يظن للوهلة الأولى أنها فكرة خلّاقة وإبداعية، لأنها جديدة على واقع التعليم، بكل ما يعانيه هذا القطاع من أزمات وانهيار، ويظن أن جزءاً من أزمة التربية والتعليم سوف تحلها مثل هذه الخطوات البعيدة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي ترسمه السياسات الليبرالية المدمرة للتعليم والإبداع بكل مستوياته وأشكاله، وكذلك لكل القطاعات الإنتاجية (الصناعية والزراعية والحرفية)، ولا يزال طلابنا حقلاً لتجارب كل وزير جديد يضع القرار وينفذه، ثم يحصد الطلاب والمجتمع عامة نتائجه السلبية، لأنها إذا لم توضع في سياقها فستكون رقماً جديداً لكمّ المشكلات المتراكمة، وتعقيداً للمشكلة التي لا يبدأ حلها إلّا بالتغيير الجذري لواقع التعليم، وهو جزء من الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

فرز طبقي في مراحل مبكرة

التعليم في سورية يتجه منذ زمن غير قريب إلى فرز طبقي سيء النتائج، فمن يملك المال والنفوذ فأولاده قادرون على متابعة تعليمهم في المدارس الخاصة والجامعات الخاصة، ومن لا يملك المال فدرجاته توجهه قسراً إلى التعليم المهني مع أن درجاتهم متساوية، هذا النهج في التعليم تبلور وازداد في تعزيز خصخصة التعليم بزيادة عدد المدارس الخاصة، وغض البصر عما يفرضونه من أقساط عالية، وها هو الآن يتخذ خطوة جديدة تجاه المزيد من الفرز الطبقي بأبشع صوره، وفي مرحلة مبكرة، وقد يكون اختيار الفرع بعد الصف التاسع وفقاً لدرجاته في هذه المادة، كونها مادة معتمدة وداخلة في المجموع العام للطالب.

فكرة من غير إمكانات

كل ما طرح سابقاً من مشكلات في التعليم من وسائل وخدمات وكوادر وأجور عجزت وزارة التربية حتى عن حل جزء منها، فهذه المناهج تحتاج إلى مؤلفين ولجان تدقيق وتحتاج إلى تمويل لطباعتها، كما أنها تحتاج في المدارس إلى قاعات خاصة بها وأدوات ومستلزمات تعليمية، مع كل ما تحمله من تكاليف في كل المدارس، فكيف لوزارة التربية أن تغطي هذه التكاليف مع زعمها أن أولوياتها تأهيل المدارس المدمرة؟ ومن أين ستؤمن الكوادر اللازمة لتدريس هذه المادة الجديدة مع عدم قدرتها على رفع أجور المدرسين؟ ومع ذلك كله تبقى العملية قيد التجريب مع أن نتائجها شبه محسومة، ففشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية سيحول دون نجاحها وستزيد الطين بلة!

مشكلات لم يحسب حسابها

من الجميل أن ننمي مهارات الأطفال في كل الاتجاهات العملية والروحية، وكما أن الطفل يحتاج إلى تنمية مهارات عملية وتقنيه فهو يحتاج إلى تنمية وتغذية ميوله الفنية والروحية، ولم نجد في المدارس اهتماماً بالموسيقا والرسم والفنون التي تدخل في تكوين الطفل النفسي والعاطفي، وبقيت مادة شكلية توضع درجاتها من غير اختبار، وتعد حصة فراغ قلما تجد لها مدرساً يعنى بها في المدارس إلّا ما ندر، فكيف إذا فرضت هذه المادة على الأطفال فرضاً في المناهج؟ فبالتأكيد ستكون عبئاً إضافياً لا فائدة منه بسبب ما بيناه في مقالنا أعلاه، ومن المشكلات التي ستنجم عنها، هي تلك الأعباء المادية التي سيتكبدها الطالب وذووه مع عجز الوزارة عن تغطية تكاليف المواد، فستكون على شكل نشاطات ومشاريع ليحصل الطالب على درجتها أو جزءاً من درجتها! ولا نقول هذا عبثاً بل من خلال تجارب المدرسين في ميدانهم، وما حصلوه من خبرات متراكمة في كل قرار ومنهاج جديد.
ونخلص إلى القول: إن خطوة إضافة مادة التوجيه المهني من مرحلة الصف الرابع إلى التاسع ما هي إلا تعقيد لمشكلة التعليم، وكل ما تزعمه الوزارة من نتائج ستبوء بالفشل، فليس للتعليم المهني أفق في هذا الواقع الاقتصادي المستمر بالتدهور، والوضع الصناعي والزراعي الآخذ بالتآكل، واستمرار السياسات الليبرالية التي تحول دون التطور الصناعي والاقتصادي والزراعي والتعليمي، فالتحسين الحقيقي بتغيير جوهر المشكلة، وهو هذه السياسات وما تخلفه من فساد ودمار في كل الميادين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028