الأدوية المحلية والسياسات الممرضة..
دعاء دادو دعاء دادو

الأدوية المحلية والسياسات الممرضة..

يعتبر المجلس العلمي السوري للصناعات الدوائية- العامل تحت إشراف وزارة الصحة والحكومة، التي تعتبر المسؤولة عن جميع القطاعات في البلد- هو العمود الفقري لكافة المصانع والمختبرات التي تعنى بالدواء، فالمجلس يعتبر هو المسؤول عنه أيضاً منذ بداية تصنيعه كمادة خام، حتى الحصول عليه كمستحضر جاهز للاستعمال من قبل المريض.

وبالتأكيد، فإن الهدف الشكلي للجزء الحكومي المسؤول عن هذا القطاع «الدوائي» هو ضمان سلامة وجودة وفاعلية الدواء المصنع محلياً، وتوفيره للمواطن بسعر مناسب!

تأثير العقوبات السلبي

على الرغم من أن القطاع الصحي في سورية غير مستهدف بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، إلّا أن هذه العقوبات كانت وما زالت بمثابة ذريعة وحجة أساسية ورئيسية لتبرير التأثيرات السلبية التي لاحقت القطاع الصحي.
وقد تجلت هذه التأثيرات بشكل مباشر بنقص بعض الأدوية، وبشكل خاص أدوية الأمراض المزمنة كـ «أدوية القلب والضغط والسكري وأمراض المناعة والسرطانات» بشكل أساسي.
ومن الطبيعي، أن المرضى يلجؤون إلى أدوية محلية الصنع، بسبب الفارق السعري بينها وبين الأدوية المستوردة والمهربة، ولضمان جودة تصنيعها، لكون الأدوية المهربة غير معروفة المصدر.
ومع واقع زيادة الأمراض نتيجة جملة من العوامل، الفقر وتردي الواقع المعيشي وسوء التغذية وصولاً إلى درجات الجوع، بالتوازي مع زيادة الشدة النفسية ومفاعيلها، أصبحت الغالبية من السوريين تعاني من الأمراض بمختلف أنواعها ومسمياتها، والفئة الأكثر تعرضاً للمرض أصبحت الفئة الشبابية بكل أسف، والدليل بعض الأرقام المعلنة والتصريحات الرسمية عن ذلك، بالمقابل، يدفع هؤلاء المرضى المتزايدين ضريبة فقدان الأدوية، أو التحكم بها سعراً ومواصفة، ليضاف إلى ما سبق من أمراض المعاناة من آثار الحرب النفسية، التي تطالهم من خلال الحاجة للدواء وإمكانية الحصول عليه من عدمها، دون رحمة أو التفكير إن بقوا على قيد الحياة «معلولين» أم لا؟!

زهرة الشباب المريضة

بسبب سياسات التجويع والأمراض والإذلال- المتبعة من الحكومة، ومن قبل جميع الجهات العاملة تحت إشرافها، والمحميين من قبلها من كبار الأثرياء والمستوردين والمهربين، فإننا نشهد اليوم تزايد الأمراض المزمنة والنفسية بسبب الضغوطات التي يعيشها المواطن بالإجبار.
فحسب ما تم نقله عن لسان أحد الصيادلة: «اليوم عادي كتير يفوت لعندي شب أو صبية بالعشرينات يعطوني الروشيتة ويطلع لازمون أدوية الضغط أو السكر... بالنهاية يلي شافوه وعاشوه مالو قليل.... بس يلي عم استغربوا هنن يلي فئة العمر الـ 17 والـ 18 لما بيكون صايبون الضغط وفايتين لعندي لياخدوا دوا ضغط ألون».
المضحك المبكي بالموضوع في الوقت نفسه، أن هذه الفئة العمرية بالتحديد من المفروض أنها تعيش زهرة شبابها أو طفولتها، ولكن ما حصل تحت إشراف الحكومة والحيتان والمستغلين هو القضاء «البطيء» على هذه الفئة العمرية!

اللجوء للمستورَد والمهرَّب

مع كثرة الشكوى في جميع المحافظات السورية من ارتفاع أسعار الأدوية وفقدان عدد كبير منها، وسوء جودة التصنيع، إضافةً إلى أدوية الأطفال ومستلزمات الـ«رضّع» من حليب... إلخ، وبالتزامن مع نقص مناعة الأجسام بسبب انعدام الغذاء المتكامل بسبب ارتفاع أسعار الغذاء واحتكاره... إلخ، وانتشار الأوبئة، مثل كوفيد- 19 والضغوطات النفسية والأمراض وارتفاع أسعار الأدوية المحلية، فقد دفع هذا الأمر المواطن للبحث عن أدوية بديلة «مستوردة ومهربة».
ونقلاً على لسان أحد المرضى «عم آخد صرلي فترة طويلة أدوية محلية الصنع... بس ما فادتني شي، الدكتور قلي لازم آخد أدوية أجنبية صحيح أنها غالية بس بتعطيني مفعول ممتاز وبفترة أقل... بيعيني الله».
فروقات بين الأدوية المحلية والمهربة
قمنا برصد أسعار بعض الأدوية الأكثر طلباً في الصيدليات، المحلية والمستوردة، وكانت النتيجة التالية:

1028-i1

أما أدوية أمراض المناعة والسرطانات فحدث بلا حرج عن أسعارها الكاوية في سوق الأدوية المحتكر لها.
وبالتأكيد، إن الأسعار أعلاه تتفاوت بين الزيادة والنقصان، باختلاف المنطقة والصيدلية... إلخ، لأن الصيدليات قد تحولت إلى متجر ربحي وسط الفوضى السائدة وغياب الرقابة الحكومية.
والنتيجة، أن المرض، بالإضافة إلى أنه عبء على صاحبه، فقد أصبح كارثة مادية بسبب أسعار الأدوية المرتفعة وفقدان بعضها، والتي ما زال بعض الرسميين يتبجحوا برخصها بالمقارنة مع أسعار دول الجوار، في حال من الفصام لا يمكن تبريرها، وكأن دول الجوار يعيش مواطنها كمعيشتنا البائسة أصلاً!

أسئلة مشروعة عن الدولة الغائبة

الأسئلة التي تفرض نفسها في النهاية:
أين دور الدولة والحكومة على مستوى ضمان سلامة وجودة وفاعلية الدواء المصنع محلياً، وتوفيره للمواطن بسعر مناسب؟
هل هناك فعلاً عجز حكومي، أم تغييب مقصود لدور الدولة والحكومة على هذا المستوى؟
ولمصلحة من يتم التغاضي عن كل سلبيات سوق الأدوية، المسيطر عليها والمتحكم بها من قبل حفنة من التجار، البعيدين كل البعد عن الإنسانية في قطاع صحي من المفترض أن تكون الإنسانية حاضرة وأولوية فيه؟!
فالحلول من كل بد ليست بمعجزة، لكنها تحتاج إلى قرار وإرادة قبل كل شيء، وهما الغائبان حتى تاريخه!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028