تحرير أسعار السماد.. الزراعة السورية تئن تحت الضربات الحكومية

جاء قرار الحكومة بتخفيض سعر المازوت، كسلفه الذي أوعز برفعه، ليوجه رسالة سافرة للجميع، في الداخل والخارج، عن الإمعان الحكومي في جلد المنتجين السوريين، والفقراء على وجه الخصوص، عبر المضي بعيداً في السياسات النيوليبرالية المباركة من المؤسسات الدولية والتحالفات الإمبريالية الكبرى.

قرار التخفيض سيكون له تداعيات خطيرة في هذا الوطن على أهم مرتكزات الصمود الوطني، ونعني هنا الأمن الغذائي، حيث جاء كإجراء أخير لرفع الدعم عن المحروقات بشكل كلي..  ليتبعه على الفور قرار تحرير أسعار الأسمدة والذي سرعان ما أدى لرفع أسعارها بنسبة 200% في بعض أنواعها.. وقد اعتبرت وزارة الزراعة مصدرة القرار، أن قرارها هذا يأتي متماشياً مع ارتفاع أسعار السماد في الدول المجاورة، مؤكدة أن منعكسات تحرير أسعار الأسمدة على المنتجات الزراعية بسيطة جداً، بعد حساب التكلفة الفعلية للإنتاج بين أسعار السماد المدعوم والمحرر، ولا تتعدى هذه الزيادة 240 قرشاً للكغ للقمح المروي، و180 قرشاً للشعير، و230 للحمص، و180 للعدس، و 212 للقطن، و50 للشوندر، و100 للبندورة، و200 للبطاطا، وهذا يحمل الكثير من المغالطات، لأن الواقع سيثبت سريعاً أن الانعكاسات ستكون أخطر بكثير، وستنعكس بشكل كارثي على المحاصيل المنتجة هذا العام، وربما تتجاوز في سوئها التداعيات التي نتجت عن رفع الدعم في العام الماضي في توقيت مشابه، لأن السعر المحرر لن يلبث أن يحلق عالياً خاصة وأن هذه الفترة تسجل على الدوام النسبة الأعلى في ازدياد الطلب على السماد.. وكأن الغاية هي ضرب الزراعة وتدميرها عن سبق الإصرار والترصد..

في العموم، فإن الزراعة السورية تعاني منذ سنوات عديدة، من الإجراءات الحكومية الهادفة في جوهرها غير المعلن إلى إبعاد الفلاح عن أرضه، حيث بدأت نتائج هذه الإجراءات تظهر للمواطن (المستهلك) والمزارع على حد سواء، من خلال قيام الحكومة السورية العام الماضي بالتطاول على المخزون الاحتياطي من القمح لسد حاجة الاستهلاك المحلي، بعد أن قامت بتصدير معظم محصول القمح الاستراتيجي المتراكم عبر السنوات السابقة، ليصل بها الأمر، بعد أن نضبت الصوامع، لطلب المعونة من أي مصدر كان. يضاف إلى هذا تراجع مجمل الإنتاج الزراعي، ابتداءً من القمح، مروراً بالقطن، وصولاً إلى غالبية المحاصيل الزراعية الحيوية، بنسب تصل إلى 70 %.

إن قطاع الزراعة في سورية أصبح شديد الهشاشة نتيجة السياسات المتبعة وما تحرير أسعار السماد، وما سبقها من تحرير أسعار المازوت، إلا محاولة لتوجيه الضربة القاضية له..

فالمحروقات تشكل ما نسبته 20؟ من تكاليف إنتاج المحاصيل البعلية، و35؟ من تكاليف المحاصيل الصيفية، حسب الإحصاءات الحكومية، علماً أن هذه التكلفة في بعض الأحيان تصل إلى 50 %، أي 40 % من سعر بيع الإنتاج الزراعي، لأن هامش الربح المتاح للفلاح لا بتجاوز 10%، حيث دفعت الزيادة المتراكمة سابقاً  في تكاليف الإنتاج العديد من المزارعين للإحجام عن الزراعة والابتعاد عنها، فكيف سيكون وضع الفلاحين بعد تحرير أسعار الأسمدة وإضافة عبء جديد إلى أعبائهم الكثيرة؟ وهل سيكونون قادرين مالياً على شراء الأسمدة بأسعارها الجديدة؟ أم سيقرر من تبقى منهم، وهم قلائل، هجر الزراعة ومتاعبها نهائياً دون العودة إليها!!

وبمثال بسيط عن فلاحي محافظة الحسكة، باعتبارها المحافظة الأولى زراعياً، فإن كل 10 دونمات من الأراضي ستكلف الفلاح حسب القرار الجديد حوالي 6000 ل.س، أي أن كل من زرع 50 دونماً هو بحاجة إلى نحو 30 ألف ليرة سورية، خاصة وأن موعد رش السماد قد آن أوانه، والسؤال: هل يوجد فلاح في الحسكة، أو في أية محافظة زراعية أخرى، يملك مثل هذا المبلغ، وفي هذا الوقت من السنة، لشراء ما يحتاجه من السماد؟!! 

ولا بد من التساؤل هنا عن مدى الجدوى الفعلية لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، الذي قامت الحكومة باستحداثه مؤخراً، ما دامت تستغني بين الحين والآخر عن أسس ومرتكزات تطوير الإنتاج الزراعي، علماً أن حكومات العالم قاطبة من رأس الهرم الرأسمالي (أمريكا) إلى أبعد جزيرة في أقصى المحيطات تقوم بدعم مزارعيها وإنتاجها الزراعي، فأمريكا مثلاً تدعم الزراعة بـ 365 مليون دولار.

 فإذا ما علمنا أن هناك 40  ألف أسرة تعمل في الزراعة في الساحل السوري وَحْدَه، فكم أسرة سيصيبها الضرر من هذا القرار على مستوى القطر بأكمله؟!!

 

آخر تعديل على الجمعة, 29 تموز/يوليو 2016 18:04