في ندوة السقيلبية الزراعية: رفع أسعار الأسمدة يُمهِّد لعودة الإقطاع!!

أقامت لجنة محافظة حماة لوحدة الشيوعيين السوريين ندوة زراعية يوم الأربعاء 8/4/2009 في مدينة السقيلبية، خصصتها لمناقشة التعليمات التنفيذية للمرسوم التشريعي رقم 29- 552008 الخاص بإحداث صندوق دعم الإنتاج الزراعي، وقرار رفع أسعار الأسمدة الصادر يوم30/3/2009. حضر الندوة عدد كبير من الفلاحين والمهندسين الزراعيين، وبعض المهتمين بالشأن الزراعي.

افتتح الندوة الرفيق أنور أبو حامضة مرحّباً بالمشاركين، واستنكر بدايةً السياسات الاقتصادية للحكومة، منوهاً إلى تراجع زعماء الليبرالية على المستوى العالمي، ودعوتهم إلى المزيد من تدخل الدولة، بينما مازال فريقنا الاقتصادي مصراً على المضي بالبلد نحو الهاوية بسياسة الخصخصة وتدمير قطاعي الإنتاج الرئيسيين الصناعة والزراعة، مخالفاً بذلك الدستور في أكثر من مطرح، وأكد أن تشتت القوى السياسية الفاعلة وغيابها هو الذي مكّن هذا الفريق من تمرير سياساته، وأشار إلى بعض الملاحظات على القرار التنفيذي، فـالمادة 3 من المرسوم تنصُّ على تغطية نفقات الدعم للقطاع الزراعي التي يتم اعتمادها أصولاً، بحيث يساهم هذا الدعم في تحقيق الأمن الغذائي والكفاءة الاقتصادية للعملية الإنتاجية، وتعزيز القدرة التنافسية للإنتاج الزراعي،  بينما القرار 83 المتضمن التعليمات التنفيذية لم يذكر الأسمدة والأدوية الزراعية كمواد يجب دعمها، فهل سيستفيد فلاحو الغاب من هذا الدعم مع تفتت الحيازات الزراعية وصغرها؟ ومن هي الجهة التي ستحدد أسعار المحاصيل الزراعية؟ وما هو هامش ربح الفلاح؟ وما هي الجهات التي ستدرس كلف الإنتاج، وعلى أي أساس؟

وحول المادة /4/ وتمويل الصندوق، ما هي الجهات التي ستقدم مساعدات وهبات من خارج القطر؟ وما المقصود ببدل خدمات، فهل يعني ذلك وجود ضرائب لم يعلن عنها بعد؟

وحول شطب المخالفين، وهم غالباً من ذوي الملكيات الصغيرة، فإن من سينفذ الخطة الزراعية هم أصحاب الملكيات الكبيرة، مما يعني أنهم المستفيدون من الدعم وليس الفقراء.

وبعد هذا العرض والتساؤلات ترك الرفيق أبو حامضة الموضوع للنقاش.. 

مداخلات حامية

الفلاح إلياس أبو أنور: لتنجح التجربة يجب تحديد ميزانية الصندوق، لا أن يترك للأقدار والظروف، وقد رصدت الدولة ميزانية قدرها (10مليار ل.س)، في حين أن الدراسة توصي بـ92مليار ليرة، على أن يكون الدعم على أساس وحدة المساحة المزروعة، لا على أساس العينة العشوائية. ولتشترك الجمعيات الفلاحية بهذه اللجان يجب وضع أسعار المحاصيل الزراعية قبل الزراعة، وهذا ما كان سائداً قبل صدور المرسوم، أما تعليمات الصندوق فهي تحدد أسعار مستلزمات الإنتاج بعد جني المحصول. نطالب بوضع دراسة خاصة عن منطقة الغاب، لأن الظروف المناخية في الغاب مختلفة من حيث الرطوبة العالية، وتأثيرها على البذار والأسمدة، فإذا كان المخصص للدونم الواحد 20كغ من بذار القمح، فأراضي الغاب تحتاج إلى 35كغ، وهكذا بالنسبة للأسمدة. أما الفوائد فهي عالية، فبعد أن كانت تبلغ 4.5% أصبحت الآن 9.5%.

موسى وهبة: في البلدان الرأسمالية يقدم الدعم لكل القطاعات، وخاصة القطاع الزراعي بهدف الحفاظ على الأمن الغذائي، وسورية عندما تدعم الفلاح، ينتج عن هذا الدعم الأمن الغذائي والاجتماعي، إذ تنشط الحركة الاقتصادية وتشتغل اليد العاملة، وتنعكس على القطاعات الأخرى (النقل –الصناعة –التجارة).. فاستيراد المواد الغذائية وغيرها يبقي البلد عرضة للضغوط والإملاءات الخارجية، وحتى لو قامت الدولة بتأمين القمح مثلاً عبر السوق العالمية، فهي لن تستطيع ذلك في ظروف سياسية مضطربة.

المرسوم وتعليماته التنفيذية يشوبهما الكثير من الغموض، ومع استشراء الفساد في مفاصل الدولة فإن ضبط عمل هذا الصندوق يحتاج إلى أنواع جديدة من الرقابة، هذا إذا استطاعت أن تضبطه، نلاحظ أن المشرع السوري وضع نظاماً ضابطاً لكل تشريع، وهنا لم نلحظ ذلك. من سيقدر المساحة؟ من سيقدر التكاليف؟ من سيقدر أن هذه جائحة أم لا، إن الجمعيات الفلاحية مع تنظيمها هي الجهات التي يجب أن تناط بها المسؤولية عن ذلك، والفلاحين هم أصحاب المصلحة الحقيقية، وهم أدرى بتكاليف الإنتاج.

فريد عراضي: من الواضح أن الصندوق هو بديل المصرف الزراعي، وعند قراءتي للتعليمات التنفيذية رأيت أنها تفتقر للوضوح والمقاييس التي تحدد طريقة التنفيذ، مثلا: في حالة استجرار البذار تشكل لجنة مع مؤسسة إكثار البذار. وهنا أرى مجالا واسعا للتلاعب في حال دراسة التكلفة، وقد ينتهي الموسم ويسلم الفلاح محصوله واللجان لم تنته بعد من دراسة التكاليف وهامش الربح، وفي ظل تحرير الأسعار وربطها بالسوق العالمية فأي سعر سيعتمد للمواد، السعر الأعلى أم الأدنى؟ وفي أية لحظة من حركة السوق يكون الاعتماد، في حالة الصعود أم الهبوط؟   

ريمون: هل الهدف من إحداث هذا الصندوق تحقيق الأمن الغذائي؟ بعد الاطلاع على  التعليمات التنفيذية ندرك بوضوح أنه لم يحدث لهذه الغاية، فقد أحدث هذا الصندوق ضمن سياق سياسة اقتصادية أوصلت البلد إلى حافة الانهيار، فكيف يستوي حال الدعم والحكومة ترفع أسعار مستلزمات الإنتاج الأساسية كالمحروقات والأسمدة؟ وكيف سنصدق إدعاء الحكومة بدعم الفلاحين وتجربة الذرة الصفراء مازالت ماثلة أمام أعيننا؟ فالدولة حددت سعر مادة الذرة الصفراء بـ17 ل.س، وعند هبوط الأسعار عالميا رفضت استلامها!! 

تساؤلات.. ومطالبات

وفي ختام الندوة، طرح الرفيق أكرم فرحة عدة تساؤلات عن الشكل السابق للدعم الذي كان سائداً خلال العقود الماضية، وعن سبب الانتقال إلى الشكل الجديد الحالي، فهل يعني ذلك فشل الشكل السابق؟ وما مصير التنظيم الفلاحي؟ هل سينحى جانبا إلى حين إعلان موته بشكل رسمي؟

هذه التساؤلات وغيرها أجاب عنها في سياق حديثه الذي نقتطف منه التالي: 

من الواضح أن تحولات أساسية تجري فيما يتعلق بالمسألة الزراعية في سورية، فهل المقصود استبدال رب العمل (الحكومة) برب عمل آخر هو نتاج الليبرالية الجديدة؟ من خلال قراءتنا للتعليمات الناظمة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي يتبين لنا أن كل شيء واضح، وبالوقت نفسه كل شيء غير واضح، فهل هذا العمل مقصود ومدبر وصولاً لفوضى لها بداية وليس لها نهاية، غايتها الضغط على الفلاحين الفقراء والمالكين الصغار، لإعادة تجميع الملكية لمصلحة الرأسماليين الزراعيين، أي عودة الإقطاع بشكل ليبرالي جديد؟!! إن أي فلاح يتعامل مع الإنتاج الزراعي يجب أن يربح لكي يؤمن لقمة العيش لنفسه  ولعائلته، ومصدر ربحه هو نتاج جهده المبذول في عمل الفلاحة، ولن يتحقق له ذلك إلا عبر التالي:

• تخفيض تكلفة مستلزمات الإنتاج (بذور، أسمدة، أدوية، محروقات، تسويق الإنتاج) وليس زيادتها.

• زيادة الإنتاج: وهذا يتم عن طريق التدخل المباشر لترشيد المنتج الزراعي بالخبرات العلمية اللازمة والضرورية.

• تفعيل وتطوير عملية تحسين البذور وتهجينها.

• حماية المنتج الزراعي الوطني من المنافسة الخارجية

فالاقتصاد  الحقيقي في أي بلد يعتمد على الزراعة والصناعة، والرأسمال دائما لديه ميل عام نحو الربح الأقصى، والمعروف أن الربح الأعلى يتوفر في الصناعة وفروعها أكثر من الزراعة، والعمل في الزراعة خاسر في معظم الأحيان، ولكن باعتبار أن المنتج الزراعي لا يمكن تأمينه إلا من خلال الطبيعة، ولا يمكن الاستغناء عنه إطلاقاً، باعتباره المسؤول الأول عن الأمن الغذائي، من هنا يجب دعم المنتج الزراعي واعتبار الزراعة حلقة أساسية في الاقتصاد الحقيقي، وهذا ما تقوم به معظم دول العالم.

إن صندوق الدعم الزراعي هو الطريق الأطول لتعامل الحكومة مع الفلاح، وهذا يجعل مسألة النهب والفساد تستفحل أكثر مما هي عليه، ويجعل الفلاح يتعامل مع شركات أو قطاعات خاصة همها الأساسي هو الربح على حساب لقمة عيش الفلاح، وعلى حساب الزراعات الأساسية في اقتصادنا (قمح، شعير، قطن، شوندر)، واستبدالها بزراعة الورود أو غيرها من المنتجات الزراعية التي تمس أمن الوطن. 

إذا لم يتوفر للصندوق الميزانية الكافية من الهبات والمساعدات المعتمد عليها أصلاً في وثيقة تأسيسه، فما مصير الدعم وما مصير الزراعة والمزارعين؟ بل ما مصير الأمن الاجتماعي واستقرار البلد؟

وهل سننتظر حتى تقع المحاذير لنفتش عن حلول تأتي بعد فوات الأوان؟!!

آخر تعديل على السبت, 30 تموز/يوليو 2016 15:20