أين القطاع العام من هذه القوانين؟
قالت مديرة التخطيط المالي في وزارة الصناعة إن الوزارة تعمل على إعداد مشروع مرسوم لإحداث صندوق لدعم وتنمية الصناعة الوطنية، وأوضحت أن الصندوق سيركز خلال الخطة الخمسية الحادية عشرة على تنمية الصناعات المستهدفة التي يمكن أن تتأثر سلباً، نتيجة المنافسة الشديدة التي تتعرض لها جراء انفتاح الأسواق، لافتة إلى أن الصندوق المزمع إحداثه سيتم تمويله من الخزينة العامة للدولة.
هناك قوانين قد صدرت لدعم الصادرات السورية، ويقول مدير عام هيئة دعم الصادرات إن المبلغ الذي رصد في الموازنة للنصف الثاني من العام الحالي 2010 يصل إلى 8 مليار ل.س ولكن أحداً من الصناعيين أو المستثمرين لم يستفد رغم أن 300 مستثمر ومنتج راجعوا الهيئة ولم يعودوا.
تأسست المشكلة على أنه بعد الانفتاح الاقتصادي وإغراق السوق السورية بجميع السلع والمنتجات المستوردة، سواء من بلد المنشأ أو من مصادر غير معروفة، بدأت معاناة الشركات المنتجة في القطاع الخاص الوطني. وبات السؤال الذي يتردد يومياً: ألا تستحق صناعتنا الوطنية شيئاً من الحماية لو بمقدار 10% ككل دول العالم التي تحمي صناعتها من سياسة الإغراق التي كفلتها قوانين منظمة التجارة العالمية؟ تونس والجزائر والولايات المتحدة الأمريكية فرضت رسوم إغراق على سلع يابانية وصينية عديدة حماية لإنتاجها.
لم تفكر الحكومة في إصدار قانون وفرض رسوم إغراق، وبدأت معاناة الشركات الصناعية الخاصة بالإنتاج والجودة والتسويق وارتفاع التكلفة. وفي الجانب الآخر يعاني القطاع العام من مشاكل إنتاجية وفنية وتسويقية بالإضافة إلى عدم تأمين المواد الأولية والتأخر في توريد بعض المواد ووصول بعض المواد المخالفة، بالإضافة إلى الأعطال الفنية والتكنولوجيا القديمة منذ استيرادها، مع قوانين وتشريعات تقيد هذه الشركات من المبادرة والحركة في الوقت المناسب.
ازدواجية في القرار نحن إذاً أمام انفصام أو ازدواجية في القرار: من جهة تشجيع الاستثمار، ومن جهة أخرى إغراق الأسواق بالسلع المستوردة. من أجل ذلك بادرت غرف الصناعة ورفعت عشرات المذكرات إلى الجهات الحكومية تشكو معاناة الصناعيين ولا تقف عند حدود عدم التسويق ومنافسة المنتجات المستوردة، بل تشرح المعاناة في توريد المواد الأولية وبيروقراطية المرافئ والتخليص الجمركي وارتفاع تكاليف بعض الخدمات في سورية قياساً إلى الدول الأخرى.
وبعد سنوات من تشجيع الاستثمار جاء الحل متبوراً لدعم الصادرات، ويقوم على دعم بعض السلع والمنتجات وأبرزها زيت الزيتون والنسيج بقيمة 13 مليار ل.س. لا شك أن هذا المبلغ لايكفي وكان يجب أن يشمل سلعاً عديدة، إلا أنه يساعد المنتج من خلال تغلبه على الخسارة بدلاً من إيقاف إنتاجه.
القرار الآخر الذي لم يصدر حتى الآن وتتحدث عنه مديرة التخطيط في وزارة الصناعة «إحداث صندوق لدعم وتنمية الصناعة الوطنية» والسؤال هنا: كيف سيتم دعم وتنمية الصناعة الوطنية؟
حتى الآن لا نعلم كيف تفكر الحكومة في دعم الصناعة الوطنية، ولكن إذا كان هذا الدعم سيتم على غرار «تنمية وترويج الصادرات» حيث تقدم 300 مستثمر وعندما رأوا الشروط التي عليهم إتباعها للاستفادة لم يرجعوا. يعني أن الهيئة فشلت بشكل واضح.
تكمن المشكلة في عدم وجود ثقة بين المصدِّر وبعض المؤسسات الحكومية، وانعدام هذه الثقة أدى ببعض المصدرين إلى التحايل والتهرب من القوانين: تهرب ضريبي، عدم تسجيل العمال بالتأمينات الاجتماعية، تشغيل 40% من العمالة السورية في المنشأة، بيان حجم أعمال المستثمر السوري، شركات وهمية وتصدير وهمي.
التحايل والغش والتهرب الضريبي هو سلوك عام يتبعه أكثر أصحاب رؤوس الأموال، وهذا السلوك يحتاج إلى تغيير، وهذا التغيير لا يحدث إلا بقوانين صارمة، وحتى ولو صدرت هذه القوانين فإن القطاع الخاص يستطيع القفز فوق القوانين والتهرب منها، ومثال ذلك قانون التأمينات الاجتماعية وقانون العمل الذي صدر مؤخراً، ورغم قصور هذا القانون وإصداره حسب مقاس أرباب العمل فإن تجربة سورية تؤكد بأن أرباب العمل في حل من تنفيذ بنوده والواجبات التي تدخل في نطاق العمل.
إذاً قانون دعم الصادرات ومشروع إحداث صندوق دعم وتنمية الصناعة الوطنية، هي مكاسب تقدم للقطاع الخاص، مع تغييب كامل للقطاع العام، بعد أن تم اتخاذ الخطوات الحكومية لإنهائه عن طريق الاستثمار والموت البطيء وعدم تخصيص استثمارات جديدة في موازنات الدولة وفي الخطط التنموية.
الوقائع تقول إن أغلب الصادرات السورية هي مواد خام ونسبتها 80% من مجمل الصادرات، في حين تزداد المستورَدات مع تحرير التجارة والانفتاح، وتُظهِر الأرقام والبيانات الاختلال الكبير بين الصادرات والمستوردات، وقد اتخذت إجراءات على الصعيد النقدي والمصرفي أثّرت وسوف تؤثر سلباً على قيمة الليرة السورية، وخلال سنوات سوف يتم استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي تحت بند تمويل التجارة والمستوردات، ونسبة كبرى من هذا التمويل والمستوردات هي عمليات وهمية تحت اسم شركات وهمية، وفي هذا المجال ينتشر ويتوسع القطاع الاقتصادي غير المنظم وتتم المضاربات، وهذا يعني عملية نهب منظمة للثروة الوطنية. ويدفع الثمن الوطن والإنسان.