مشروع تنظيم شرقي المزة: تنظيم عمراني.. أم أبعد من ذلك؟!
بدأت محافظة دمشق مع جهات حكومية عدة بتنفيذ مشروع «تنظيم شرقي المزة»، الواقعة خلف مشفى الرازي، والتي تعرف باسم مزة بساتين، وذلك بالاستناد على المرسوم 66 لعام الـ2012، والذي كان قد أطلق عملية «تنظيم مناطق المخالفات والسكن العشوائي» في محافظة دمشق.
حدد نص المرسوم مرحلتين لتنظيم ما يعادل 10% من مساحة العاصمة، المرحلة الأولى تشمل تنظيم منطقة شرقي المزة، التي تشمل المناطق الواقعة شمالي المتحلق الجنوبي في المزة وكفرسوسة، مساحتها 214 هكتاراً، أما المرحلة الثانية، تشمل مناطق جنوبي المتحلق في المزة وكفر سوسة وقنوات بساتين وداريا والقدم، التي تقارب مساحتها الـ880 هكتاراً.
ومع اقتراب انتقال المشروع إلى حيز التنفيذ في المرحلة الأولى، في المنطقة الواقعة خلف مشفى الرازي وصولاً إلى المتحلق الجنوبي، وما يتضمنه ذلك من اقتراب مواعيد إنذارات الإخلاء، وعمليات هدم العقارات والمنازل القائمة، يلمس أهالي تلك المنطقة العديد من الإشكالات المتعلقة بمسألة التعويض بأنواعه المختلفة، السكني والتجاري والصناعي والزراعي، وبآليات تأمين السكن البديل. الأمر الذي يحمل من الخطورة، إذا بقيت تلك الإشكالات دون حل، بخلق أزمة جديدة مماثلة لتلك التي صنعتها قرارات الاستملاك الجائرة في السابق، والتي مثلت أحد الأسباب الرئيسية لانفجار الأزمة في البلاد.
آليات التعويض
وفقاً للمرسوم المذكور، يفترض أن تمثّل الملكيات القائمة بحصص سهمية للمالكين. ويحدّد المرسوم القيمة الاسمية للسهم بـليرة سورية واحدة. بعد ذلك للمالكين الحق بإتباع أحد ثلاثة خيارات: إما التخصص بالمقاسم في مرحلة ما بعد التنظيم بحسب الحصة السهمية، أو المساهمة في تأسيس شركة مساهمة لبناء وبيع واستثمار المقاسم، أو البيع في المزاد العلني.
عملياً، جرى تمثيل الأرض فقط بالحصص السهمية، بجعل كل قصبة أرض (حوالي 24 متراً مربعاً) تقابل مليونين ونصف سهم، دون أخذ الملكيات الأخرى الواقعة فوق الأرض بعين الاعتبار، كالمنازل والمحال التجارية والمنشئات الصناعية والأشجار والمزروعات. وهذا الأمر يعد مشكلة حقيقية بالنسبة للكثير من المواطنين في تلك المنطقة، يقول أحدهم لـ«قاسيون»: «وفقاً لتمثيل الحصص السهمية، يجري اعتبار المنازل التي نعيش فيها، والتي بعضها مشيد من عدّة طوابق كالأراضي الخالية تماماً». هذا الشكل في تمثيل حصص المالكين، فضلاً عن كونه غير عادل، هو يخالف حتى نص المرسوم 66 الذي يقول في مادته السابعة: «تقدر قيمة عقارات المنطقة وفق وضعها الراهن، بما عليها من مبان وإنشاءات وأشجار وزراعات، والحقوق العينية والحقوق المدعي بها وبتقدير عادل يراعي القيمة الحقيقية».
الاستثمارات التجارية.. وعود طريفة!
عند محاولة القيمين على المشروع إقناع أصحاب المحال التجارية البسيطة (الدكاكين) بأنهم سينالون تعويضاً عادلاً بعد التنظيم، قاموا بالاستناد إلى نص المرسوم الذي يعطي الأولوية لهؤلاء بالاستثمار التجاري في مرحلة ما بعد المشروع. يروي بعض الأهالي هذا الأمر لـ«قاسيون» على شكل طرفة: «يقال لبائع الخضار في إحدى حارات المزة- بساتين الفقيرة، بأنه سيكون قادراً على الاستثمار في المولات التجارية الموعودة بعد تنظيم المنطقة! يبدو أن الحكومة تعتقد أننا رجال أعمال بحقائب حتى تمطرنا بهذه الوعود..!». أما في الوقت الحالي، سيقدر محله التجاري بقيمة الأرض فقط، التي تتراوح مساحاتها بين 12 إلى 16 متراً مربعاً. وينطبق الأمر ذاته على المنشئات الصناعية، حيث «الأولوية» ممنوحة لأصحاب الورشات والحرفيين بالاستثمار الصناعي في المناطق الصناعية المزمع إنشاؤها في المنطقة.
وللأشجار حكاياتها..
بدأت الجرافات بتنفيذ المشروع في القسم المتاخم للمتحلق الجنوبي، وهي منطقة بساتين متنوعة يغلب عليها شجر الزيتون، ولدى دخولها إلى بستان أبو ياسين، أحد فلاحي تلك المنطقة، أعترض الرجل الجرافات عند اقترابها من أشجار الزيتون المعمرة، يروي أبو ياسين قصته لـ«قاسيون»: «من المفترض أن تمهد الجرافات طريقاً بعرض 10 أمتار، لكنها دخلت عملياً بعرض 30 متراً، وأصابت أشجاراً ليست ضمن المنطقة المقررة». فقرر المهندسون الزراعيون المرافقون للجرافات تقييم الأشجار، التي لا يشملها التمثيل بالأسهم، «جرى تقييم إحدى الأشجار التي يبلغ عمرها مئات السنين بـثماني آلاف ليرة، مع إبداء الكثير من المنة لأن الأرض مقدرة سلفاً بالأسهم الموعودة، بدون أشجارها وبيوتها».
الشاغلون والورثة
تبدأ عيوب عملية التعويض بالظهور أكثر فأكثر عند الانتقال إلى شريحة الشاغلين، وهم من القاطنين الذين لا تتوفر لديهم صكوك الملكية، بالإضافة إلى الورثة الذين لم يحصروا أرثهم بعد. يتحدث أبو فاروق لـ«قاسيون»: «بنيت مسكني المؤلف من 5 طوابق على أرض وهبني إياها والدي، على مدى 30 عاماً. الأرض لا تزال ملكيتها تعود إلى والدي، وسيجري تقييمها على أنها أرض فحسب دون بناء، فكيف يمكن أن تنظر لجان حل الخلافات في أمري، وأنا القاطن في المنطقة منذ ثلاثين عاماً ولا أملك صكاً يثبت ملكيتي لمنزلي؟!»، وتعد هذه الحالة شائعة بكثرة في منطقة شرقي المزة لكونها منطقة زراعية بالأساس. وبالرغم من أن القانون ونص المرسوم أخذ هذه مسألة حصر الإرث وحل الخلافات بعين الاعتبار، إلا أن المشروع في طريقه إلى التنفيذ «وقد نجد أنفسنا منذرين بالإخلاء، وتبدأ عمليات هدم البيوت، قبل أن يجري تحديد ملكيتنا وحسم أمرنا»، يضيف أبو فاروق.
بورصة المضاربات تفتتح أعمالها
بالرغم من أن المرسوم يمنع عمليات بيع وشراء ونقل الملكيات منذ تاريخ صدوره وحتى الانتهاء من تنفيذ المشروع، إلا أن المضاربات كعادتها تجد لها مكاناً فوق القوانين. عملياً هنالك من يشتري الأسهم من الناس، مستغلاً حاجاتهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة. وقد استند المضاربون إلى سعر السهم الاسمي (ليرة واحدة) لبداية مضارباتهم التي أوصلت بدورها سعر السهم الواحد إلى حوالي الـ60 قرشاً سورياً. فقراء الحال، وما أكثرهم في تلك المنطقة، يبيعون أسهمهم على الفور ويغادرون منطقتهم. يقول أحد سكان المنطقة لـ«قاسيون»: «كل من يملك دون الـ4 قصبات في المنطقة (حوالي 100 متراً مربعاً) لا أمل لديه بالبقاء، نظراً لغياب الثقة في الحصول على تعويض مجزٍ». وبعض التجار الطامعين بإيجاد موضع قدم لهم في تلك المنطقة «يوظفون عدداً كبيراً من السماسرة لجمع الأسهم من الفقراء»، كل ذلك يجري دون أية مراقبة ومحاسبة.
السكن البديل.. الطامة الكبرى
حُددت صيغة تأمين السكن البديل خلال فترة تنفيذ المشروع بإعطاء المالكين بدلات آجار، في البداية حددت قيمة البدل بـ 15000 ليرة شهرياً، تدفع في بداية كل سنة، ومع ارتفاعات الأسعار جرى رفعها تدريجياً حتى بلغت الـ 35 ألفاً. ويرى كل من التقتهم «قاسيون» من الأهالي أن مثل هذه المبالغ لا يمكن بواسطتها تأمين أي بيت للآجار، فضلاً عن كون البيوت الشاغرة للآجار لا تتوفر بكثرة لآلاف العائلات في العاصمة. ويقترحون في المقابل أن يبدأ مشروع التنظيم ببناء السكن البديل في المناطق الخالية، والتي تتوفر بمساحات شاسعة في المنطقة، بحيث يجري بناء أبراج ضخمة، برجيات، مساحة كل واحدة منها حوالي الـ500 متراً مربعاً وبعدد كبير من الطوابق (فنياً حوالي الـ14 طابقاً)، بحيث يضم البرج الواحد نحو 100 شقة، بما يكفي عدد العائلات في المنطقة، وتقتطع قيمة الشقة من أسهم العائلة التي تسكن فيها. أما العائلات التي لا تفي أسهمها قيمة شقة السكن البديل فتشترك بآليات تشبه الجمعيات السكنية، في هذه الحالة سيكون مشروع تنظيم شرقي المزة منصفاً ومحققاً لغاياته المفترضة بالتطوير العمراني لمناطق السكن العشوائي والمخالفات.
مطالب الأهالي
قبل أن تلتقي «قاسيون» الأهالي في منطقة شرقي المزة، كانوا قد صاغوا مطالبهم بالنحو الذي يضمن حقوقهم، ويستكمل الصيغ القانونية التي وضعت لمشروع التنظيم، وفيما يلي توردها «قاسيون» كما هي:
«عدم توجيه أي إنذار حتى يتم:
1- توزيع جميع سندات التمليك، وعدم السماح بالتداول حتى توزيع آخر سند.
2- إكمال نقل الملكية للورثة والمفقودين وتثبيت ملكياتهم.
3- الإعلان عمن هو المستحق للسكن البديل.
4- بناء المقاسم للمنذرين بالهدم بما يكفي الأسر الشاغلة بعد عملية الجرد والوصف.
5- عدم إخلاء أو هدم أي منزل قبل تأمين السكن البديل، لصعوبة وجود أية بيوت للآجار، لا في المدينة ولا في الأرياف، وإن وجدت فهي بأسعار خيالية ومرتفعة جداً ولا تتناسب مع بدل الإيجار المقترح».
إن تنفيذ مطالب الأهالي في مسألتي: إعادة النظر في آلية التعويض، وفي مطالب الأهالي فيما يخص السكن البديل الواردة أعلاه، وكذلك أخذ اقتراحاتهم في بناء الأبراج قبل الإخلاء والهدم، كل ذلك من شأنه أن يحول مشروع التنظيم إلى نهضة عمرانية حقيقية تكون نموذجاً يحتذى به في باقي مناطق العشوائيات، أو المدمرة بفعل الحرب. دون ذلك، يتحول المشروع إلى أزمة حقيقية جديدة مشابهة لأزمات استملاكات الأراضي الجائرة في ريف دمشق، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية في انفجار الأزمة الشاملة في البلاد.