13 مليار دولار أو أقل.. كافية لنمو الناتج!
قد يكون التقدير الأوسع لخسائر سورية خلال الحرب، هو حوالي 250 مليار دولار إلا أن هذا الرقم لا يعني أبداً أننا نحتاج إلى تمويل بهذا المقدار ذاته، ليتم إيقاف عملية التدهور الاقتصادي، والعودة إلى النمو في الناتج المحلي الإجمالي..
فكما أن تقدير الخسائر يقوم على فكرة خسائر الناتج المحلي الإجمالي التي تستطيع أن تعبر عن تدهور مختلف المؤشرات الاقتصادية- الاجتماعية في سورية خلال الحرب، فإنه بالمقابل تقدير حاجات التمويل، تعتمد على وضع أهداف نمو للناتج المحلي الإجمالي، بحجم استثمار متوسع سنوياً، يوسع معه الناتج، ويوسع معه إمكانيات التمويل اللاحقة..
إن إيقاف تدهور الناتج السوري اليوم، يتطلب معدل نمو يقارب 8%، للعودة إلى نقطة الصفر، وفق التقدير الدولي بأن حجم الانكماش لعام 2016 سيبلغ - 8%، وعليه فإن العودة إلى نقطة الصفر يتطلب اليوم تراكم بنسبة 53% من الناتج المحلي الإجمالي، أي حوالي 13 مليار دولار استثمار. وهذا إذا كان معدل العائدية أي القيمة المضافة الناجمة عن استثمار مبلغ مالي ما هو بحدود 15% كما كان في نهاية عام 2010.
وقد يكون المبلغ أقل من 13 مليار دولار، حيث أن تجارب الدول الأخرى تقول، أن تحقيق النمو في ظروف ما بعد الحرب، عملية أسرع، حيث ترتفع العائدية، لتصبح القيمة المضافة الناجمة عن الاستثمار في ظروف ما بعد الحرب وإعادة الإعمار أعلى مما قبلها.
فعلى سبيل المثال بلغ معدل النمو في ألمانيا خلال الخمسينيات 11.6% كوسطي سنوي، بينما كان وسطي الاستثمار السنوي 22% من الناتج فقط، أي أن العائد الاقتصادي كان 52%، بينما انخفض معدل النمو في عقد السبعينيات اللاحق في ألمانيا إلى 4,5%، رغم أن حجم الاستثمار من الناتج كان 32%، ما يدل على انخفاض حاد في العائدية بعد مرحلة إعادة الإعمار، وارتفاعها خلالها.
حتى معدل النمو الاقتصادي في لبنان بلغ بعد الحرب 9,2% وسطياً سنوياً، وهو معدل نمو مرتفع، رغم أن تأثيراته التنموية على لبنان لم تكن إيجابية، حيث تركز النمو في القطاع المالي المصرفي الخدمي، وجرت عملية محاصصة بين أمراء الحرب، الأمر الذي ابتلع جهاز الدولة، وألغى قدرته على التصدي لمهام التنمية والإعمار الاقتصادي الاجتماعي الضرورية التي لم ينجز الكثير منها حتى اليوم.
بعيداً عن الأرقام وتفصيلاتها، فإن القصد من استعراض هوامش الأرقام، هو التأكيد على أن تضخيم أرقام خسائر سورية في الحرب، وربط هذه الأرقام الكبيرة التي تفوق 200 مليار دولار بحاجات تمويل إعادة الإعمار، هو مسألة غير دقيقة.. والهدف منها هو (تصعيب المهمة) على السوريين، والإيحاء بأن إمكانيات التمويل الذاتي، ستكون شبه مستحيلة وبالتالي سيكون علينا أن نتجهز لشروط الإقراض والتمويل الخارجي، والداخلي!..
قد تحتاج سورية إلى الاقتراض بالتأكيد، ولكن الحق الطبيعي للسوريين قبل دفعهم نحو القروض، هو أولاً حصولهم على التعويضات عن الخسائر التي تكبدوها بفعل الحرب، فعلى سبيل المثال تقدر خسائر سورية من العقوبات الاقتصادية، بحوالي 20 مليار دولار وفق الإسكوا، ومبلغ كهذا ينبغي تقديمه كتعويض للسوريين، لا كمساعدة، أو قرض!. وثانياً حصولهم على الموارد المنهوبة من القلة القليلة التي اغتنت بفعل الحرب والفوضى والجوع، وهو الأهم. لأن بقاء النموذج الاقتصادي الليبرالي الذي يتيح لهؤلاء بالانتعاش ويمنع الموارد والدعم عن عموم السوريين من المنتجين وأصحاب الأجور بدعوى (قلة الموارد)، بقاء هذا النموذج يعني عملياً ضمان امتصاص كافة الموارد سواء كانت تعويضات أو مساعدات أو قروض، وتسريبها نحو قوى السوق الكبرى المتحكمة بالموارد.
إن إمكانيات النمو في كل ظرف، وفي الظرف الحالي تحديداً متاحة فقط في حال تم استخدام منظم للموارد لتوسيع الاستثمار، أي توسيع القاعدة الإنتاجية الحقيقية مباشرة، وضمان تخفيض تكاليفها عبر الدعم، وتوزيع نتائج هذا الاستثمار على أصحاب الأجور والمنتجين، ليتمكنوا من الاستمرار أولاً، ومن الاستهلاك ثانياً..