جريمة نوروز و«سَورَنة» النصرة!
كما هو متوقَّع، فقد اتجهت سهام الاتهام إعلامياً نحو تركيا في الجريمة الشنيعة التي ارتكبها ما يُسمَّى «جيش الشرقية» ضد عائلة من الكرد السوريين في جنديرس خلال احتفالهم بعيد النوروز قبل أيام.
بطبيعة الحال، لا يمكن تبرئة تركيا بأيّ شكلٍ من الأشكال من المسؤولية عن هذه الجريمة، حتى وإنْ كانت مسؤوليةً غير مباشرة؛ فـ«جيش الشرقية» الذي تمّ اتهام عناصر منه بارتكاب الجريمة وثبتت الجريمة عليهم، تابعٌ لما يسمى «الجيش الوطني» المدار والمموَّل بدوره تركيّاً. مع ذلك، فإنّ هنالك جانباً آخر في القضية لا يجوز إغفالُه، بل ربما يكون هو جوهر المسألة ولبّها...
يكشف عن هذا الجانب، الدورُ الذي سارعت جبهة النصرة للعبه بعد الجريمة مباشرة، وكذا الترويج الإعلامي الكبير لهذا الدور؛ فرغم أنه من المعروف أنّ لجيش الشرقية علاقات قوية مع جبهة النصرة، إلا أنه بعد الجريمة مباشرة جرى إظهار النصرة بوصفها المنقِذ من انتهاكات وارتكابات جيش الشرقية، بل وقيل إنّ أهالي الضحايا دفنوا ضحاياهم بـ«حماية عناصر النصرة»؛ أي أنّ النصرة تحوّلت فجأة إلى حامية للكرد!
طوال السنوات الأربع الماضية على الأقل، عملت واشنطن عبر مراكز أبحاثها وإعلامها على محاولة تبييض صفحة النصرة؛ ابتداءً بمركز الأبحاث المسمّى مجموعة الأزمات الدولية (المدار صهيونياً - روبرت مالي)، الذي وصف النصرة بأنها أداةٌ مهمّة في محاربة «الجهاديّين المتطرّفين» وبأنه قطع علاقته مع القاعدة وإلخ، ومروراً بجيمس جيفري الذي وصف التنظيم بأنه «لا يمارس الجهاد الدولي» ولاحقاً اعترف بأنّه لم يتم استهداف التنظيم نهائياً من قبل الأمريكان، وبأنّ هنالك ما يشبه التواصل في إطار «التعاون في محاربة الإرهاب»، وعودة إلى مجموعة الأزمات نفسها التي وصلت وقاحتها حدّ تقديم النصح العلني للغرب بأنه يحب عليه التعامل مع النصرة بوصفها شريكاً.
ينبغي أيضاً أن نضع في خلفية التفكير جملة مسائل واضحة:
أولاً: التناقض بين الأمريكان والأتراك مستمر في التصاعد، وفي الملف السوري خاصة. يشمل ذلك جهود أستانا لتسوية سورية تركية، والموقف مما يجري في الشمال الشرقي، وحتى طبيعة العلاقة المتناقضة بين فصائل مما يسمى «الجيش الوطني» المدعوم تركيّاً، وبين النصرة، حيث تبدو بعض الفصائل أقرب للنصرة، وفصائل أخرى على النقيض منها؛ وهذا يعكس إلى حدٍّ ما طبيعة اصطفاف هذه الفصائل وولاءاتها وتمويلها الموزَّع بين عدة مراكز، بينها أنقرة وواشنطن.
ثانياً: ليس خافياً أنّ المسألة الكردية لها وزنٌ مهمّ في الانتخابات التركية القريبة، وليس خافياً أيضاً أنّ الأمريكان، ومعهم المتشدِّدون من الأطراف السورية، يعلّقون آمالاً كبيرة على الإطاحة بأردوغان في الانتخابات بهدف وقف عملية الاستدارة التركية نحو روسيا والصين وإيران، ولإعادتها إلى الحظيرة الأمريكية.
ثالثاً: في السياق نفسه، بات واضحاً السعي الأمريكي-الأوروبي، لإعادة صياغة معارضة جديدة «مستقلة عن الأتراك»، والمقصود: تابعة للأمريكان بشكل كامل بحيث لا تسير في ركاب أستانا. وهذا واضح في كل تركيبات المعارضة التي سبق أنْ صدَّرها الغرب ورعاها ثم تفرَّقتْ ولاءاتُها بين الأتراك والسعوديين والأوربيين والأمريكان أنفسهم مع الوقت.
رابعاً: ضمن الأحلام والأوهام الخلّبية التي يروج لها أزلام أمريكا ضمن المعارضة، القول بضرورة الوصول إلى «سورية شمالية» يجري فيها توحيد الشمال الغربي مع الشمال الشرقي تحت الحماية والرعاية الأمريكية والغربية؛ وهذا الطرح يأخذ أشكالاً متعدّدة وأدوات متعدّدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، القول بأنه يجب تطبيق 2254 في «المناطق المحرَّرة» تمهيداً لتطبيقه في كامل سورية! أو القول إنه ينبغي وضع دستور للمناطق «المحرَّرة»، والعمل بشكل متكامل كدولة بما في ذلك إرسال السفراء للدول وفتح السفارات وإلخ... وتصوير النصرة بوصفها حامياً للأكراد وقريبة منهم، ورغم أنه كوميديا سوداء سمجة كل السماجة، إلا أنه لا يخلو من غايات سياسية واضحة تصب في هذا الاتجاه نفسه...