مخرجات «العقبة»: السلطة تتنازل والاحتلال يصعّد جرائمه
تم الإعلان عن نتائج اجتماع العقبة بالأردن، الأحد 26 شباط (فبراير) 2023، الذي جرى بمشاركة من السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال «الإسرائيلي» والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى وفد من سلطتَي التطبيع المصرية والأردنية. وفي الليلة نفسها وصباح اليوم التالي (الإثنين 27 شباط) شن مستوطنون مدعومين بقوات الاحتلال 300 اعتداء إرهابي على قرى جنوب نابلس، أسفرت عن استشهاد اثنين من الفلسطينيين وإصابة 390 آخرين، وإحراق أكثر من 100 منزل و100 سيارة. وبخلاف مزاعم بيان العقبة أعرب عدد من مسؤولي الاحتلال عن اعتزامهم مواصلة التصعيد والاستيطان، ومنهم الوزير سموتريتش الذي قال «لن نُجمد الاستيطان ولو ليوم واحد».
استُبِقَ اجتماع العقبة بتداول معلومات وأنباء تشير إلى فحواها وأهدافها، فكشف الإعلام الصهيوني عن تواجد جنرال أمريكي سيطرح على الطاولة برنامجاً حول كيفية مساعدة السلطة الفلسطينية باستعادة السيطرة على جميع مناطق الضفة وخاصة جنين ونابلس، وأنّ قمة العقبة تأتي بسبب التخوّفات (الأمريكية-الصهيونية) من انهيار السلطة الفلسطينية، وأنّ معسكر الاحتلال والمطبّعين معه «يريدون الهرب من انتفاضة ثالثة، والتي ستكون نهايتها فظيعة ومرعبة»، بحسب تعبير المحلل «الإسرائيلي» باراك رافيد.
وضمّ وفد السلطة الفلسطينية إلى العقبة كلاً من حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة بالسلطة الفلسطينية، ومجدي الخالدي، المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس. ومن بين تبريرات السلطة الفلسطينية لمشاركتها في الاجتماع قال السفير محمد عودة من ديوان الرئاسة الفلسطيني، مستخدماً صياغة استسلامية وانهزامية: «لسنا اللاعب الوحيد في المنطقة، وميزان القوة ليس لصالحنا، ولتتفضّلْ دبابات المعارضة الفلسطينية لتحاصر تل أبيب» بحسب تعبيره.
وفي السياق نفسه قال ناطق باسم حركة فتح، حسين حمايل: «قمة العقبة سياسية وليست أمنية، وهي لحماية شعبنا» على حد زعمه، وأضاف «البعض يريد أن يسوقنا إلى سباق تسلُّح وكأننا أصبحنا جيشاً مقابل جيش الاحتلال، وما يملكه الاحتلال من ترسانة مدعومة يفوق كل ما يملكه شعبنا» وفق تصريحه الذي سبق انعقاد القمة.
وافترض نص البيان المشترك الذي صدر عن اجتماع العقبة الأمني أنّ يلتزم ممثلو السلطة الفلسطينية و«إسرائيل» بالاتفاقيات السابقة إلى جانب الالتزام بخفض التصعيد ومنع مزيد من «العنف».
ردود الأفعال السياسية والفصائلية
يتضح من المواقف التي أعلنتها فصائل فلسطينية وحتى من داخل حركة فتح، قبيل انعقاد «قمة العقبة»، إجماعاً وطنياً على رفض المشاركة بقمة العقبة وإدانة موقف السلطة الفلسطينية بهذا السياق، كذلك خرجت احتجاجات في الضفة ولا سيّما جنين ونابلس ترفض القمة وتدينها تخللتها اشتباكات مع الاحتلال في عدة نقاط. وفي المواقف السياسية:
- قال عضو تنفيذية منظمة التحرير، رمزي رباح: «رفضنا القمة الأمنية في العقبة وأرسلنا رسائل قبل ذلك بأيام للرئيس عباس نحذّر فيها من مخاطر القمة وطالبنا باجتماع للجنة التنفيذية لكنهم لم يردّوا على رسائلنا حتى الآن».
- وأصدرت «الشبيبة الفتحاوية» في جامعة القدس بياناً قالت فيه: «نرفض قمة العقبة جملةً وتفصيلاً، وأفكار بعض قادة السلطة الذين يتغنّون بالسلام ويحاولون تمرير صفقات جديدة لا تتماشى مع فكر شعبنا المـشتبِك، وخيارُنا هو خيار كتائب الأقصى والعرين وعُشّ الدبابير في جنين، وسنبقى الدرعَ الحامي لثوابتنا، ولا يَحيد عن بوصلة الشعب إلا المنبطحين والمتساوقين مع التطبيع».
- وقالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين: «نحذّر من تبعات لقاء العقبة وندعو السلطة لمقاطعته، ونؤكد أنّ هذا اللقاء هو غطاءٌ سياسيّ لمجازر الاحتلال ومحاولة لنقل التناقض إلى الداخل الفلسطيني من خلال الضغط على السلطة بهدف اتخاذ إجراءات أمنية لوقف تصاعد المقاومة وتوفير الأمن للاحتلال ومستوطنيه». وصرّح القيادي بالجبهة الشعبية، ناصر أبو خضير بأنّ «المشاركة باجتماع العقبة هو إعلان وقح وصريح من جانب الزمرة السلطوية المتنفّذة بالاصطفاف الكامل ضد المشروع الوطني، والكرة الآن في ملعب حركة فتح لكنس هذه الزمرة ونزع الغطاء الوطني عنها».
- وقالت الجبهة الديمقراطية إنّ «اجتماع العقبة الذي نجدّد رفضنا له، لن يقطف شعبنا منه سوى المزيد من الويلات ونعتبره قراراً متفردّاً اتخذه جانب واحد من القيادة السياسية بسلطة رام الله، ونحذّر من المساواة بين جرائم الاحتلال وبين حقّ شعبنا في المقاومة باعتبارها إجراءات أحادية».
- بدوره قالَ عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، نافذ عزام: «مشاركة السلطة بقمّة العقبة لا يخدمها ولا يخدم شعبنا والمستفيد منها هو الاحتلال، وما يجري اليوم هو إعطاء العدو مزيداً من الوقت لاستمراره في ارتكاب المجازر بحقّ أبناء شعبنا».
- كذلك أعلنت حركة حماس: «نستنكر بشدّة حضور السلطة الفلسطينية للّقاء الأمني في العقبة، وندعوها ألا تكون شريكاً في استهداف الثورة ضد الاحتلال، والتوقف عن هذا المسار العبثي أو المراهنة على سراب الوعود الأمريكية والانحياز للإجماع الوطني وإرادة الشعب الفلسطيني».
مخرجات «العقبة»
وفقًا لنصّ البيان الصادر عن اجتماع العقبة فقد تمّ «تأكيد كلّ الأطراف على الحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدَّسة في القدس» إلى جانب التزام الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي» بوقف «الإجراءات الأحادية» من 3 إلى 6 أشهر.
ويزعم البيان أنّ الاحتلال «سيلتزم» بوقف مناقشة إنشاء أيّ وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، إلى جانب الادّعاء بأن الاحتلال سيلتزم بوقف إقرار أيّ بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر، ورغم ذلك سرعان ما أصدر مسؤولون بحكومة نتنياهو الائتلافية المتطرّفة في مساء يوم اجتماع العقبة نفسه تصريحات تثبت أنّ ادّعاءات الاحتلال بتجميد الاستيطان ليست سوى حبراً على ورق.
«العقبة» تزعم تجميد الاستيطان
يمكن على الأقل رصد التصريحات التالية التي أعقبت مباشرة «قمة العقبة» التي تفضح أنها ليست سوى اجتماع أمنيّ لمزيدٍ من التنازلات والإذعان من جانب السلطة الفلسطينية وشدٍّ أوثقَ للجامها أمريكياً وصهيونياً إلى حظيرة التنسيق الأمني والتطبيع مع الاحتلال في مسعى يائس لاحتواء عمليات المقاومة المتواصلة ومنع انفجار وتوسّع انتفاضة فلسطينية شاملة.
- حيث دعت وزيرة الاستيطان «الإسرائيلية» مباشرة بعد العملية الفدائية التي جرت في حوّارة تزامناً مع انعقاد اجتماع العقبة (الأحد 26 شباط) إلى «سحب الوفد الإسرائيلي» من الاجتماع.
- كذلك أعلن الوزير بحكومة الاحتلال، سموتريتش: «لن نُجمّد الاستيطان ولو ليومٍ واحد، وهذا الأمر ضمن صلاحيّاتي أنا».
- وأعلن وزير آخر بحكومة الاحتلال، هو أوفير أكونيس: «لن يكون هناك تجميدٌ للاستيطان في الضفة ولا في الجولان ولو لدقيقة واحدة، سنبني ونوسّع المستوطنات».
- في الوقت ذاته، نقلت القناة 12 «الإسرائيلية» عن «مسؤول سياسيّ كبير» في كيان الاحتلال قولَه حول قمّة العقبة، ما يشير إلى فحواها والغرض الحقيقي منها: «المشاركون في القمّة وافقوا على إنشاء لجنة أمنية مشتركة من شأنها أنْ تدرس تجديد التنسيق الأمني، ومدى استعداد السلطة وقدرتها على تحمّل مسؤولية مكافحة المسلّحين في مناطق السلطة» (في إشارة إلى المقاومين الفلسطينيين ضد الاحتلال). وأضاف: «تم الاتفاق على أنّ الأطراف ستعقد اجتماعاً آخر قبل رمضان، برعاية مصر لدراسة التقدّم في المحور الأمني»، ورغم أنه أضاف بأنّ «الاتفاق نصّ على أنّ (إسرائيل) ستجمّد مؤقتاً شرعنة البؤر الاستيطانية»، ولكن بناءً على المواقف والواقع على الأرض يبدو هذا نِفاقاً «إسرائيلياً» على الأرجح، وحتى لو تمّ «تجميد» مؤقَّت فهذا ليس سوى شراءٍ صهيوني أمريكي للوقت مقابل تنازلاتِ تعزيز التنسيق الأمني من جانب السلطة الفلسطينية.
ردودٌ شعبية وسياسية على «العقبة» ومجازر الاحتلال
شهد يوم انعقاد «قمة العقبة»، الأحد 26 شباط 2023، عملية إطلاق نار (من المسافة صفر) أسفرت عن مقتل مستوطنَين «إسرائيليين» في منطقة حوّارة جنوب نابلس في ردّ فلسطيني شعبي مقاوِم على «العقبة» وعلى مجزرة نابلس التي ارتكبها الاحتلال قبل أربعة أيام منها، وارتقى فيها 11 شهيداً وأصيب العشرات.
وأعادت فصائل وقوى فلسطينية التأكيد على عدم امتلاك السلطة أي إمكانية لوقف المقاومة وعملياتها في الضفة الغربية المحتلة والقدس، داعيةً إلى وقف فوري للتنسيق الأمني وإنهاء الاعتراف بالاحتلال «الإسرائيلي».
يجدر بالذكر بأنّ اجتماع العقبة يأتي بعد مجزرتَي جنين ونابلس مؤخّراً، ووسط تصعيد كبير لجرائم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، وردود المقاومة الشعبية بعمليات فدائية في عدة نقاط في الأراضي المحتلة، أدت إلى ارتفاع قتلى الاحتلال إلى 14 قتيلاً منذ بداية العام 2023، بعد عمليّة حوّارة.
واشتعلت حوّارة ونابلس والضفة ليلةَ انعقاد اجتماع العقبة الأحد، حيث اندلعت مواجهات عنيفة مع الفلسطينيين، بعد أنْ شنّ جيش الاحتلال ومستوطنوه هجمات إرهابية على الأهالي في حوّارة، فأصيب عدد من الفلسطينيين وارتقى على إثرها شهيدان، أحدهما قتله المستوطنون أثناء الاعتداء على حوّارة، والثاني جرّاء هجوم مستوطنين على قرية زعترة جنوب نابلس، إضافة إلى أضرار مادية وحرائق افتعلها الإرهابيّون المستوطنون.
وتشهد الضفة أعلى معدّل يتم تسجيله من الشهداء منذ عام 2000. ورأى مراقبون فلسطينيون بأنّ بيان «العقبة» تضمّن «نقاطاً غير مفهومة» وأخرى «توحي بوجود أشياء غير معلنة»، مثل تجنّب الإشارة إلى الدور الأمني المطلوب من السلطة إلى جانب ما يتعلّق بالاستيطان وادّعاء تجميده من قِبل الاحتلال.
ولاقتْ مشاركة السلطة الفلسطينية في «العقبة» على طاولة واحدة مع الأمريكي و«الإسرائيلي» والمطبّعَين المصري والأردني استنكاراً وغضباً فلسطينياً واسعاً على المستويات الشعبية إضافة إلى بيانات إدانة خرجت من الفصائل الفلسطينية، حيث اعتبروا القمة ومخرجاتها تنازلاً كبيراً للاحتلال، فبعد أن كانت السلطة تطالب بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 باتت تطالب بتجميد مبدئي للاستيطان ووقف بعض الإجراءات الأمنية «الإسرائيلية» في الضفة، وحتى هذا الأمر سرعان ما سيتنكّر الاحتلال لتطبيقه كما يبدو من التصريحات أعلاه، الصادرة عن مسؤولين في حكومته، ليبقى المشهد سائراً نحو مزيد من تصعيد الاحتلال لجرائمه وارتفاع مؤشرات انتفاضة شعبية فلسطينية واسعة ومزيداً من عزلة سلطة أوسلو ونهجها الاستسلامي والمفرّط بحقوق الشعب، والتي بات العدّاد التنازلي لدفنها يقترب من النهاية.