الكهرباء... وتهاوي الذرائع!

الكهرباء... وتهاوي الذرائع!

تعرّت كل الروايات الحكومية حول مبرّرات وذرائع سوء وتردي الكهرباء، بعبارة مقتضبة ومكثفة أتت على لسان مدير المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء، خلال حديثه عبر إذاعة المدينة إف إم بتاريخ 4/12/2022، حيث قال:
«سعر الألف كيلو واط الساعي يكلف الدولة 500 ألف ليرة، ويباع للمواطنين بسعر 5000 ليرة فقط... إذا المواطن قادر يدفع هالمبلغ، ساعتها رح يكون عنا إمكانية استيراد الوقود اللازم لتوليد الكهرباء».

الذرائع الساقطة

العبارة المختصرة أعلاه تسقط التالي من الذرائع والمبررات الحكومية، التي طُنّبت آذاننا بها طيلة السنوات الماضية:

  • ذريعة عدم كفاءة محطات التوليد العاملة، أو تعطل بعضها وخروجها عن الخدمة، وغيرها من مبررات عدم الاستفادة من المحطات على مستوى إمكانية توليد ما يكفي من الطاقة الكهربائية لسد الحاجات الفعلية للمواطنين وللفعاليات الاقتصادية.
  • ذريعة مراكز التحويل والشبكات والتردّدي وغيرها.
  • كل ذرائع صعوبات توريد المشتقات النفطية أو تأخرها أو عدم كفايتها.
  • كل ذرائع الأزمة والعقوبات والحصار.
  • كل مبررات ساعات التقنين الطويلة والجائرة. 

وليتبين التالي:

  • محطات التوليد العاملة جاهزة وقادرة على إنتاج الكم الكافي من الطاقة الكهربائية.
  • الإمكانية متاحة لاستيراد الوقود اللازم لتوليد الكهرباء.
  • الأمر محصور بقرار رسمي مرتبط من الناحية العملية بالتكلفة والدعم شكلاً، وبجملة السياسات الظالمة مضموناً. 

التكلفة المتضخمة

تجدر الإشارة إلى أنّ التكلفة الرسمية المعلن عنها أعلاه، والبالغة 500 ألف ليرة لكل كيلو، وبغض النظر عن دقتها، تعتبر متضخّمة، فهي تتضمن من الناحية العملية الكثير من التكاليف والأعباء المالية المضافة، والتي يمكن اختصار بعضها بالتالي:

  • الفاقد الكهربائي الكبير وغير المبرر فنياً.
  • السرقة والتعديات على الشبكة.
  • حصص النهب والفساد. 

بعيداً عن التمنين والتقنين!

وربما تجدر الإشارة أيضاً إلى المفارقة الفجّة بين التكلفة «المدولرة» بجزء من مدخلاتها بالحد الأدنى ارتباطاً بالمشتقات المستوردة، بالمقارنة مع الأجور المتدنية، الثابتة والمتآكلة، المحسوبة بالليرة طبعاً، وبالتالي عجزها المؤكد عن تحملها، أي تهاوي احتمال «إذا الشرطية» حول مقدرة المواطن على الدفع، والتي أتت على لسان مدير الكهرباء!

لنطرح بدورنا «إذا» أخرى، قد يمكن معها للأجور أن تتحمل الدفع، على الشكل التالي:

إذا تم تعديل الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الحد الأدنى لتكاليف المعيشة، ووفق سلّم متحرك مرتبط بها دورياً، فالمواطن سيكون قادراً على الدفع، بعيداً عن التمنين والتقنين.

فهل ذلك ممكن؟! 

السياسات المتوحشة بخلاصاتها

وليتضح بناءً على كل ما سبق ما يلي، اختصاراً:

  • إن إجراءات التقنين الجائرة لم تكن إلا شكلاً من أشكال تخفيض الدعم على الطاقة الكهربائية، وبالتالي تخفيض فاتورة الإنفاق على دعم الكهرباء في الموازنات العامة، وبما يتوافق مع مسيرة سياسات إنهاء الدعم الظالمة.
  • إن الترويج للبدائل والاستثمار الخاص بالطاقة الكهربائية (إنتاجاً وتوزيعاً وبيعاً) ما هي إلا مقدمات لتكريس التخلّي الرسمي عن دور الدولة بقطاع الطاقة الكهربائية لصالح القطاع الخاص تباعاً، مع فرض توسيع قاعدة الاعتماد عليه اضطراراً، وبشروطه السعرية مع هوامش ربحه!
  • مدى ما وصلت إليه السياسات المتبعة من استهتار ولا مبالاة وصولاً للتوحش، ليس على مستوى التضحية باحتياجات وخدمات المواطنين ومصالحهم فقط، بل بالإنتاج وبالاقتصاد الوطني، والمصلحة الوطنية عموماً.