هل ما نشهده هو انهيار لحلف الناتو؟
جوناس ألكسيس جوناس ألكسيس

هل ما نشهده هو انهيار لحلف الناتو؟

لقد حدث للتو شيء مذهل؛ في أعقاب الهجوم الإرهابي في أنقرة الذي أسفر عن مقتل 34 شخصاً وإصابة 125 آخرين، أعلنت السلطات التركية أولاً أنها لن تقبل تعازي الولايات المتحدة، ثم أعلنت ثانياً عن شن عملية عسكرية ضد ما أسمتهم «الإرهابيين الأكراد في شمال سورية»، ثم ادعت أنها «حيّدت» 184 «إرهابياً».

 ترجمة قاسيون (بتصرّف)

 

هل يبدو لكم الخبر بمجمله مألوفاً؟ إذا كان الأمر كذلك، فلأنه مشابه جداً لما فعله الإيرانيون عندما ضربوا القواعد الأمريكية في العراق بعد مقتل الجنرال سليماني في غارة أمريكية بطائرة دون طيار.

صفعة على وجه «العمّ صموئيل»

إذا كان ما سبق صحيحاً، وكانت الشائعات المنتشرة إلى حد كبير حقيقة مثبتة، فهذا يعني أن دولة عضواً في الناتو (تركيا) هاجمت للتو قاعدة أمريكية، ومثل إيران، أفلتت من العقاب: أي أنّ «أفضل قوة قتالية في تاريخ العالم» [المترجم: يستخدم الكاتب العبارة نفسها التي استخدمها بايدن في حديثه مع الجنود الأمريكيين في بولندا خلال زيارته لهم في آذار الماضي] قد تعرضت للضرب الشديد والإهانة للمرة الثانية ولم تستطع فعل أي شيء على الإطلاق للدفاع عن نفسها أو حتى حفظ ماء وجهها.

ولكن ما هو حجم الصفعة التي تلقاها «العم صموئيل» على وجهه هذه المرة؟ [المترجم: يستخدم الكاتب «العم صموئيل-Uncle Shmuel» بدلاً من «العم سام» في إشارة ضمنية إلى النفوذ الصهيوني الكبير ضمن الولايات المتحدة].

ماذا لدينا هنا؟ اتهمت دولة عضو في الناتو (أي تركيا) الولايات المتحدة بشن هجوم إرهابي كبير على عاصمتها، ثم هاجمت الدولة العضو في الناتو علانية منشأة تديرها الولايات المتحدة.

هل مزاعم أردوغان ذات مصداقية؟ قطعاً! لم تكن الولايات المتحدة قد حاولت بالفعل الإطاحة بأردوغان وقتله فحسب، وأنقذته القوات الخاصة الروسية (كما حدث مع إيانوكوفيتش)، ولكننا نعلم أيضاً أن الولايات المتحدة أطاحت بالجنرال ديغول في 1968–1969 وأنه تم استخدام قوات الناتو السرية لشن هجمات كاذبة ضد حلفاء الناتو (خاصة إيطاليا) فيما يسمى بعملية GLADIO [المترجم: غلاديو هي الاسم الشيفري لحملة واسعة من الأعمال السرية التي نظمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أوروبا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ابتداءً من إيطاليا خصوصاً ووصولاً إلى كل الدول الأوروبية، وشملت القيام بأعمال إرهابية عديدة، ونسبها لتنظيمات يسارية وشيوعية، والهدف الأساسي لها كان مقاومة النفوذ الشيوعي في أوروبا].

ما الأهداف الحقيقة للناتو؟

الناتو ليس تحالفاً دفاعياً - لم يكن كذلك أبداً - ولكنه أداة للهيمنة الاستعمارية الأمريكية. كان هذا صحيحاً دوماً، ومن هنا جاءت الكلمات الشهيرة التي قيلت في الخمسينيات، البعيدة الآن، عندما اعترف أول أمين عام لحلف الناتو، الجنرال البريطاني هاستينغز إسماي Hastings Ismay، صراحةً بأن الهدف الحقيقي للناتو هو إبقاء: «الروس في الخارج، الأمريكان في الداخل، الألمان في الأسفل».

لنأخذ هذه العناصر واحدة تلو الأخرى، بدءاً من العنصر الأخير:

– «إبقاء الألمان تحت»: هنا كلمة «الألمان» هي عنصر نائب لأيّ واحد من – أو لجميع – القادة الأوروبيين أو الدول التي تريد السيادة الحقيقية. والترجمة هي: استعباد الأوروبيين.

– «إبقاء الأمريكان في الداخل»: من أجل سحق أي حركة تحرر أوروبية. الترجمة: ضع قادة الولايات المتحدة فوق جميع الأمم الأوروبية.

– «إبعاد الروس»: تأكد من أن روسيا لن تحرر أوروبا. الترجمة: شيطنة روسيا وفعل أي شيء وكل شيء لمنع السلام في القارة الأوروبية. إذا أمكن، قم بتفكيك روسيا أو إخضاعها أو تدميرها بأي طريقة أخرى.

بحاجة إلى دليل؟ ماذا عن العمل الحربي الذي لا يمكن إنكاره ضد ألمانيا (وأنا أزعم، الاتحاد الأوروبي بأكمله) عندما فجر الأنغلوساكسون خطَّي نورد ستريم الأول والثاني؟ أليس هذا دليلاً كافياً؟

ماذا يعني أن تكون عضواً في الناتو في عام 2022؟

الحقيقة هي أن الناتو كان منتَجاً خاصاً بالحرب الباردة، وأنه في العالم الحقيقي لعام 2022، يعد مفارقة تاريخية مدهشة. كونك دولة عضواً في الناتو لا يعني في الحقيقة سوى القليل جداً. لا يقتصر الأمر على أنّ بعض الدول «أكثر قيمةً من غيرها» في الناتو، ولكن هناك أيضاً دول غير أعضاء في الناتو والتي تساوي أكثر بكثير من الدول الأعضاء الفعلية في الناتو (أفكّر هنا في «إسرائيل» أو، بالطبع، أوكرانيا المحتلة من النازية). وكونك عضواً في الناتو، فذلك لا يحميك من أيّ شيء، لا من الهجمات الخارجية ولا من الهجمات الداخلية أيضاً. 

وفقاً للعقيد ماكغريغور، قد تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى انهيار كل من الناتو والاتحاد الأوروبي. أنا أتفق معه تماماً. أود أن أقول إن مثل هذا الانهيار لن يكون نتيجة هزائم محرجة بقدر ما سيكون بسبب التناقضات الداخلية العميقة داخل كلّ من المنظمتين.

هل تستطيع تركيا الاعتماد على أي نوع من «الحماية» من جانب الولايات المتحدة/ الناتو ضدّ أيّ من جيرانها الأقوياء؟ اسأل السعوديين كم ساعدتهم الولايات المتحدة/ الناتو ضدّ الحوثيين! اسأل «الإسرائيليين» إلى أيّ مدى ساعدتهم الولايات المتحدة/ الناتو ضد حزب الله؟

إذا كان هناك أيّ شيء يمكن استنتاجه، فإنه يتمثّل في أنّ الضربات الإيرانية على قواعد القيادة المركزية الأمريكية، قد أثبتت أنّ الولايات المتحدة ليست لديها الجرأة لمواجهة إيران. في تناقض حاد، هزم التدخل الروسي والإيراني في سورية الخطط الأمريكية لـ «شرق أوسط جديد» أو، ربما فعلاً، أدى إلى خلق «شرق أوسط جديد»، ولكن بالتأكيد ليس ذلك الذي كان المحافظون الأمريكيون الجدد يأملون بإقامته!

أضف إلى المشهد السابق التدهور الكبير في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بقيادة محمد بن سلمان، وتصبح لديك صورة مذهلة: الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي (الذي جرّته الولايات المتحدة إلى المنطقة) أصبحا تدريجياً غير مهمَّين في الشرق الأوسط. بدلاً من ذلك، تملأ «الجهات الفاعلة الكبرى» الجديدة الفراغ تدريجياً، بما في ذلك روسيا وإيران اللتان تسمحان الآن تدريجياً للمملكة العربية السعودية بالمشاركة في حوار إقليمي تشتد الحاجة إليه حول مستقبل المنطقة.

يتجلّى الضعف الهائل للولايات المتحدة/ الناتو/ القيادة المركزية الأمريكية، بأفضل صورة في رد فعل الولايات المتحدة على الضربات التركية: أيّد العم صموئيل (لا تمزح!) الضربات التركية.

حجم المأزق لقوّة عظمى متخيَّلة

هل سيكون لهذه العملية تأثير على حرب الناتو ضد روسيا؟ حسناً، دعنا نتخيل أنّ روسيا ستضرب حقاً بعض الأهداف داخل بولندا (وهو ما ادعاه الأوكرانيون وكذلك البولنديون، إلى أن طلب منهم العم صموئيل أن يهدأوا). ماذا سيحدث بعد ذلك؟

هل ما زال هناك من يتذكر ما حدث عندما سافر أردوغان إلى مونس-بلجيكا للتوسل من أجل حماية الناتو ضد روسيا (بعد إسقاط طائرة روسية من طراز Su-24 فوق شمال سورية من خلال عملية أمريكية تركية مشتركة، ربما تم تنفيذها دون علم أردوغان، على الأقل وفقاً لزعمه). بماذا وعد الناتو أو ماذا قدم للأتراك؟ بالتأكيد لا شيء (بخلاف «الاستشارات»).

الآن قد يكون البولنديون واهمين بما يكفي للاعتقاد بأن رئيساً أمريكياً قد يأمر بهجوم انتقامي على روسيا إذا ضربت روسيا بولندا، لكن أولئك منا الذين يعرفون الولايات المتحدة ونخبها الحاكمة يعرفون أنّ هذا هراء. لماذا؟ ببساطة لأن هجوم الولايات المتحدة/ الناتو المضاد على القوات الروسية سيؤدي إلى ردّ روسي فوري.

photo_--_--

ثم ماذا؟ الحقيقة شديدة الوضوح في بساطتها:

- ليس لدى الولايات المتحدة/ الناتو القوة البشرية أو القوة النارية اللازمة لمواجهة روسيا في حرب أسلحة تقليدية مشتركة.

- أي استخدام للأسلحة النووية سيؤدي إلى انتقام فوري يؤدي على الأرجح إلى حرب نووية شاملة لا يمكن الفوز بها.

إذن، ها هي الصفقة: سواء أدرك السياسيون الغربيون ذلك أم لا، فإن المحترفين العسكريين يعرفون جميعاً الحقيقة - لا يمكن لحلف الناتو الدفاع عن أي من أعضائه ضد جيش حديث حقاً. لماذا؟

لنلقِ نظرة على القدرات التي تمتلكها الولايات المتحدة/ الناتو حقاً:

- تمتلك البحرية الأمريكية قوة غواصات رائعة (كل من الغواصات النووية، والغواصات المحملة بالصواريخ النووية) والقادرة على إطلاق أعداد كبيرة من صواريخ كروز القديمة نسبياً (والكثير من الصواريخ البالستية التي يتم إطلاقها من الغواصات).

- ثالوث نووي لا يزال فاعلاً تماماً، وإن كان قديماً.

- ميزة كمية (فقط!) تقليدية على روسيا.

- مطبعة تسمح بطباعة شبه لانهائية للدولار.

- نخبة طفيلية تحكم جميع دول الناتو/ الاتحاد الأوروبي.

- الآلة الدعائية الأشد هولاً في التاريخ.

إذن، ما الذي يفتقر إليه حلف الناتو ليكون قوة عسكرية ذات مصداقية؟

من الواضح أن ما ينقصه هو «العسكر على الأرض». وأنا لا أعني عدداً قليلاً من الوحدات الفرعية من 101 أو 82 AB أو القوات الخاصة الأمريكية أو حتى ما يسمى بـ «اللواء المدرع» الذي، في الواقع، يفتقر إلى التحضير المسبق المناسب. أنا أتحدث عن قوة «حرب برية» قادرة على محاربة عدو حديث وحازم للغاية.

وقعت الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» والمملكة العربية السعودية في الفخ نفسه: الوهم القائل بأنّ إنفاق المليارات والمليارات من الدولارات على المعدات العسكرية باهظة الثمن والضعيفة للغاية سوف يسمح لك بهزيمة عدو يُفترض أنه «أقل تعقيداً». ومن هنا تأتي الحاجة لاستخدام:

– قوى الوكلاء

– خدمات وفحوصات الصيانة الوقائية

– عمليات الحرب النفسية

– الفساد

كل ما سبق هو جزء طبيعي من أي حرب حديثة، ولكن في حالة الولايات المتحدة/ الناتو، فهي ليست مجرد جزء من خطة أكبر، إنها أدوات أساسية في أي عملية للولايات المتحدة/ الناتو، وبالتالي فإنّ هذا يقلل بشكل كبير من القدرات الحقيقية للحلفاء ضمن الولايات المتحدة/ الناتو. في تناقض حاد، يمكن لدول مثل روسيا أو إيران نشر «قوات عسكرية على الأرض»، وهم فعّالون للغاية في ذلك (تذكر أنّ الإيرانيين هم الذين درّبوا حزب الله!).

ما احتمالات التصعيد عملياً، وهل له حدود؟

هذا يعني أنه حتى لو قرر الروس ضرب دولة من دول الناتو، فإن التوترات ستنتهي، ولكن من المرجح جداً ألا يسمح أي رئيس للولايات المتحدة بأي عمل قد يؤدي إلى حرب نووية شاملة! تذكر، بالنسبة لروسيا، هذه حرب وجودية، ليس أقل من الحرب العالمية الثانية، في حين أن أي زعيم أنغلوساكسوني لن يجرؤ على الإطلاق على شن هجوم انتحاري على القوات الروسية والذي من المرجح أن يؤدي إلى القضاء الكامل على الولايات المتحدة/ المملكة المتحدة وأي دولة أخرى مشاركة في مثل هذا الهجوم.

هل يعني ذلك أنه يتعين علينا توقع هجوم روسي على بولندا أو رومانيا أو المملكة المتحدة؟

لا إطلاقاً. في الواقع، سيكون من الخطير جداً أن يترك الروس أمام خيارات صارمة للغاية: الاعتراف بالهزيمة أو الانتحار. وبما أن الروس لديهم هيمنة تصعيدية (أي أن لديهم قدرات متوازنة من مستوى نيران الأسلحة الصغيرة إلى حرب نووية عابرة للقارات، ومع كل المراحل بين هذين الطرفين) فإنهم، على عكس الولايات المتحدة/ الناتو... ليسوا عالقين بين خيار الاستسلام أو الانتحار.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ أيضاً افتراض أن روسيا «لن تجرؤ أبداً على ضرب دولة عضو في الناتو». قد يكون البولنديون مستعدين للمراهنة على مستقبلهم وحتى وجودهم بمثل هذا الاستنتاج غير الصحيح، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للأشخاص في البنتاغون أو في أي مكان آخر في مراكز القرار المهيمنة.

الاستنتاج

دوغلاس ماكغريغور محقّ، حرب الناتو ضد روسيا قد تؤدي إلى انهيار كل من الناتو والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيضع بدوره «المسمار الأخير» الرسمي في نعش الهيمنة التي ماتت منذ فترة طويلة والتي لا تزال موجودة حتى الآن فقط بسبب العطالة التاريخية وزخم آلة الدعاية الخاصة بها.

أود أنْ أزعم أنّ الناتو ينهار بالفعل أمام أعيننا، وهي عملية لن تؤدي إلا إلى تسريع وتيرة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروحية التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي بأكمله. وبالطبع، فإنّ الشيء المدهش في هذا هو أن هذا الانهيار ليس نتيجة بعض الخطط الميكافيلية التي وضعها الروس أو الصينيون أو الإيرانيون، ولكنه نتيجة مباشرة لعقود من السياسات الانتحارية حقاً: لقد فعلوا ذلك بأنفسهم!

الآن، ينتظر الروس والصينيون والإيرانيون في الغالب، يشاهدون (ربما يبتسمون) ويخططون لعالم متعدد الأقطاب خالٍ من الهيمنة يريدون تحقيقه، مع أو دون مشاركة الولايات المتحدة وأوروبا.

 

المصدر: Is NATO falling apart?

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2022 16:40