بريطانيا توضح ما تشتغل عليه في سورية
عماد طحان عماد طحان

بريطانيا توضح ما تشتغل عليه في سورية

كانت بريطانيا أول الدول الغربية التي انتقلت من شعار «إسقاط النظام» إلى شعار «تغيير السلوك». وقد حدث ذلك في وقت مبكر نسبياً مقارنة ببقية الدول الغربية؛ إذ بدأت تغير خطابها الرسمي اتجاه سورية أواسط عام 2016، أي بعد أشهر من الدخول الروسي العسكري المباشر.

ورغم أنّ نجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس قد أفل بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد فشل العدوان الثلاثي سنة 56، إلا أنه من الواضح أنّ إسهام هذه الدولة في صياغة خطط الغرب ما يزال إسهاماً أساسياً، ربما يتجاوز أحياناً الإسهام الأمريكي؛ لما تملكه بريطانيا من إرث طويلٍ في حياكة المؤامرات، ولمعرفتها العميقة بمستعمراتها السابقة، وكذلك لأنّ النخبة الملكية ضمنها ما تزال جزءاً أساسياً من الكتلة المالية الأنغلوساكسونية.

ما يهمنا في هذا السياق هو أنّ ما تقوله بريطانيا بما يخص سورية، عادة ما يتحول مع الوقت إلى بوصلة العمل الغربي الأساسية. وعادةً ما يتم الكشف عن حقيقة التوجهات بشكل صريح بعد سنوات من تبنيها.

مناسبة الحديث هي ما نقله موقع أكسيوس يوم أمس الأربعاء 24/8 عن المبعوث البريطاني الخاص للأزمة السورية جوناثان هارغريفز، والذي قال فيه عدة أمور ربما أهمها النقاط التالية:

  • «حملة الضربات "الجوية الإسرائيلية" ضد الأهداف العسكرية الإيرانية، ربما تكون الشيء الوحيد الفعال في سورية».
  • «بما أنّ العملية السياسية في سورية أمام طريق مسدود، يمكن للدول الغربية أن تنقل تركيز جهودها الدبلوماسية نحو ضرورة إنهاء الوجود الإيراني هناك».
  • «تهريب مخدرات الكبتاغون من سورية، أصبح التهديد الأمني ​​الأكثر إلحاحاً للأردن»، واقترح «تعاوناً بريطانياً إسرائيلياً لتعطيل نشاط تهريب المخدرات».

 

«نقل التركيز»؟

لا تحتاج هذه الأقوال إلى كثير من الجهد لتفسيرها؛ فالغرب الذي كان يعمل طوال الوقت ضد العملية السياسية وضد تنفيذ 2254، ينتقل الآن إلى العمل علناً ضد الحل؛ وذلك عبر القول إن الأفق مغلق أمام الحل وبالتالي ينبغي التركيز فقط على «الموضوع الإيراني».

عملياً، فإنّ هذا النهج ليس جديداً إطلاقاً؛ فهو نهج الغرب منذ انتهت إمكانية تطبيق التجربتين الليبية أو العراقية في سورية مع دخول القوات الروسية إليها. ولكن الجديد هو إعلان هذا النهج، والذي ينبغي أن يفهم كمقدمة لسياسات جديدة، وليس كتثبيت لنهج سابق.

لمزيد من الوضوح، فإنّ الانتقال نحو الإعلان عن أنه «لا أفق للحل السياسي»، يعني بالضبط أنّ احتمالات هذا الحل قد ارتفعت، وخاصة بعد قمة طهران الأخيرة، وكذلك تصريحات لافروف الأخيرة خلال لقائه بنظيره السوري.

في قمة طهران كان لافتاً تصريح المكتب الصحفي للكرملين والذي كرره بوتين في كلمته الافتتاحية، وجاء فيه أنّ هدف القمة هو: «تحديد الخطوات المشتركة باتجاه تحقيق أهداف الوصول إلى تسوية نهائية ودائمة في سورية»، وأما تصريح لافروف فهو: «أستانا ستكون الرافعة الدولية لحل الأزمة السورية»...

ولأنّ الأمر كذلك، فإنّ البريطانيين يحددون البوصلة الآن بأنها العمل ضد هذا الحل، وضد أستانا التي باتت رافعته ومحوره...

«الإشادة» بالاعتداءات «الإسرائيلية» على سورية، والتركيز على الموضوع الإيراني بوصفه الشأن الوحيد الذي يجب التركيز عليه في سورية، هما محوران أساسيان للعمل بالاتجاه المطلوب غربياً... والذي نرى تمظهراته في طروحات سياسية عديدة تكرر المسألة نفسها، بحيث لا يعود الهدف هو تغيير النظام وتطبيق حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، بل «تغيير سلوك النظام» ضمن معادلة محددة هي «إخراج إيران»، والحقيقة أنّ جوهرها هو ذاته جوهر الوهم المسمى بـ«الناتو العربي»، والذي لن ير النور بحالٍ من الأحوال، شأنه شأن الأوهام البريطانية و«الإسرائيلية» في سورية...

آخر تعديل على الخميس, 25 آب/أغسطس 2022 12:58