أحمد الرز
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
بات القسم الأكبر من «الوصفات التحليلية الجاهزة» لليبراليين العرب مصاباً بالفشل الذريع على مدار الأعوام الماضية، ما دفعهم إلى بناء مجموعة من «خطوط الدفاع» التي كلما انهار أحدها، تقهقرت «تحليلاتهم» إلى الخط التالي بشكل مباشر.
ليلة العاشر من الشهر الجاري، ومع بدء الجلسة التي جمعت كلاً من الوفدين الروسي والأمريكي في جنيف، بمشاركة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، شرعت معظم وسائل الإعلام التابعة لدول وقوى سياسية متضررة من الاتفاق في البحث عن «ثغرات» من شأنها الإيحاء بأن «لا جديد يلوح في الأفق».
لا بد من الإشارة إلى أن المصلحة العميقة وراء احتمال تردي العلاقات بين موسكو وأنقرة، كانت ولا تزال أمريكية خالصة، مرتبطة باستراتيجية قوى رأس المال المالي العالمي الإجرامي المعتمدة على قطع الروابط بين روسيا ومجالها الحيوي، وبتعمُّد خلق الأزمات على طول الخط الفاصل بين آسيا وأوروبا، هذا استراتيجياً.
شكّل الحديث عن «هدنة عيد الأضحى» أملاً لدى السوريين بإمكانية نيل قسط من الراحة تتوقف خلاله آلة الحرب المُدمِرة الدائرة في البلاد منذ ما يقارب العشرين شهراً، والتي باتت تمنع أبسط مظاهر الحياة والنشاط الاجتماعي والسياسي. وما لبث أن تبدد هذا الأمل مع تسجيل المزيد من الأعمال العسكرية التي خرقت الهدنة وفتحت الباب أمام «خيبات الأمل» الدولية، وتتالى على أثرها تراشق الاتهامات ما بين الأطراف المتنازعة على الأرض، وسارعت أطراف النزاع إلى إعلان وفاة الهدنة. وضمن هذه المعطيات ينبغي البحث بما خلف هذه الخروقات، ولا سيما أن الهدنة لاقت قبولاً محلياً وإقليمياً ودولياً واسعاً، فهل كان يعني سقوط هذه الهدنة بالضرورة سقوط أي محاولة لاحقة لإخماد نار الاقتتال في سورية؟ أم مازال الأمل قائماً في طي صفحة الصراعات المسلحة؟؟
لا يزال الواقع في سورية يثبت يوماً بعد يوم أن قوة السلاح فاقدة للقدرة على إيجاد مخرج آمن من مستنقعٍ آسن يتقاتل المهمَّشون فيه في حربٍ لا مصلحة فيها إلا للفساد «الموالي والمعارض». وفي الحرب كل الوسائلِ متاحة، خصوصاً إن كانت تؤمِّن إرباكاَ لقدرة الخصمِ المُحارِب على الصمود، هذا ما يُسمّى في الأدبيات السياسية بمبدأ ميكيافيللي «الغاية تُبرر الوسيلة»، المبدأ الذي دفعت ثمنه في الأزمة السورية مناطقٌ عدة لم يكن مخيَّم «اليرموك» أولها ..
قديماً، وعلى مر العصور، كان يكفي إثبات تورط أي فصيل معارض في أي من بلدان العالم بالاجتماع مع ممثلي سفارة بلد أجنبي حتى يتم طي صفحة هذه المعارضة إلى الأبد، هذا ما يبدو مضحكاً بالنظر إلى آلية عمل بعض «المعارضات» خلال فترة الأزمة، خصوصاً منها من يحمل أجندة واضحة المعالم في تلبيتها لأطماع تاريخية أجنبية، بدءاً من إضعاف الدور الإقليمي لسورية في المنطقة، وإنتهاءاً بتقسيمها إلى دويلات قائمة على أساس إثني وعرقي وطائفي، مما يساهم بإعادة سورية إلى ما قبل عصر الدولة الوطنية.
يُصادف، في معرض السجالات السياسية التي تفرض نفسها على الحياة الاجتماعية السورية، أن يتم الرد على من يدعو للحوار والحل السياسي، بوصفهما الطريق الوحيد نحو المخرج الآمن من الأزمة السورية، بدعوةٍ متسرعة للنظر إلى ما تحققه آلة الحرب العسكرية من «انتصارات جزئية» قد تُمهِّد لانتصار أحد الطرفين على الآخر. إن في هذا مثالاً، لا حصراً، من الأمثلة العديدة التي يتم فيها تبني المواقف السياسيَّة انطلاقاً من قراءة مُجتَزأة بعيدةٌ كلّ البعد عن الواقع، وقريبة تمام الاقتراب من ظواهر الأمور التي لطالما عكست صوراً مزيفة عن الحقيقة الموضوعية.
حملت الأيام القليلة الماضية في طياتها تسارعاً في وتيرة الأحداث الجارية في الداخل الفلسطيني بعدما أقدم جيش الاحتلال الصهيوني على عدوانه الآثم الرامي إلى ضرب القدرة الصاروخية لفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هذا التسارع جاء كنتيجة حتمية للمفاجأة التي قدمتها فصائل المقاومة والمتجسدة بفشل ذريع أُصيبت به حكومة العدو بعد إدراكها للقدرات العالية التي تتمتع بها المقاومة الفلسطينية، خصوصاً بعد أن طالت صواريخها عمق تل أبيب، وقد فتحت هذه الأحداث الباب أمام العديد من التحليلات السياسية، إبتداءً من الصلة التي تربط هذه الأحداث مع الاستحقاق الدولي المرهون بمتغيرات جذرية تُصيب الواقع الدولي السابق وتُرسي آخراً جديداً، وانتهاءً بتأثير ما يجري اليوم في غزة على قوى الربيع العربي..
تلقت قوى اليمين في أمريكا اللاتينية دفعاً قوياً يهدد بوضع قارة المحرِّر الثوري، سيمون بوليفار، على صفيح ساخن. فبعد نجاح «الانقلاب الناعم» في دفع الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، خارج القصر الرئاسي، بدأت قوى اليمين الفنزويلي في التحرك سريعاً، قبل أن تصطدم في جدار «تجذير الثورة» الذي أعلن الرئيس، نيكولاس مادورو، عزم إدارته على المضي نحوه بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
القلق ثم القلق ثم القلق، مفردة بات وجودها محتماً ليس في تحليلات التواقين للخلاص من الكيان الصهيوني فحسب، بل بات لزاماً إدراجها في آلاف المقالات التي يصوغها كتّاب الكيان ذاته، عاكسين في ذلك مخاوف الكيان الوجودية من التبدل الجاري على العلاقات الأمريكية- «الإسرائيلية»، في ظل التغيرات الحاصلة في موازين القوى الدولية، وتراجع واشنطن عن كونها قوة دولية منفردة.