الاتفاق الروسي- الأمريكي.. والارتزاق بوصفه «عملاً صحافياً»..!
ليلة العاشر من الشهر الجاري، ومع بدء الجلسة التي جمعت كلاً من الوفدين الروسي والأمريكي في جنيف، بمشاركة المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، شرعت معظم وسائل الإعلام التابعة لدول وقوى سياسية متضررة من الاتفاق في البحث عن «ثغرات» من شأنها الإيحاء بأن «لا جديد يلوح في الأفق».
من يعود اليوم لقراءة كم الأخبار العاجلة التي خرجت خلال المباحثات الماراثونية الروسية- الأمريكية، يكاد لا يصدق حجم التلفيق الذي مارسته وسائل الإعلام في تلك الليلة. في البداية، نقلت وكالة «رويترز» عن «مصادرها» القول بأن «الفريقان الروسي والأمريكي يتجهان إلى تأجيل الاجتماع حتى الأسبوع القادم، دون نتائج»، وفي وقت كان فيه الفريقان لا يزالان متواجدان في أروقة المباحثات المشتركة، نقلت قناة الميادين عن «مصادرها» أيضاً خبر «فض الاجتماع». في حين تصدرت عدداً من الصحف الأجنبية والعربية عناوينٌ تشي بـ«انهيار جديد في المباحثات، وفشل لافروف وكيري في التوصل إلى حل»، وفي هذا الوقت، كانت صحيفة «الوطن» السورية، على سبيل المثال لا الحصر، تنقل عن «مصادرها الإعلامية في جنيف»، أنه «لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين لافروف وكيري.. والجانب الأمريكي لم يجب على مقترحات موسكو».
بعد ساعة واحدة فقط، تبددت تلك «الأخبار العاجلة» كلها و«مصادرها» و«تحليلاتها» في الهواء. خرج وزيرا خارجية البلدين، يرافقهما المبعوث الدولي، للإعلان عن التوصل إلى اتفاق روسي أمريكي، وبدء وقف الأعمال العدائية ابتداءً من أول أيام العيد.
إن كانت القوى الإقليمية المتضررة من «اتفاق الكبار» قد «بلعت لسانها» عن الهجوم المباشر عليه، نتيجة لحساباتها السياسية، إلا أن العيارات النارية لعشرات الأقلام الصحافية، والتقارير، والريبورتاجات، التابعة لوسائل إعلام إما مملوكة لهذه الدول، أو مدعومة بشكل «خفي» منها، لم تكن كذلك. ولأن الهجوم على هذا الاتفاق بشكل مباشر لم يكن في متناول اليد للجهر به علانية، بقي أمام وسائل الإعلام هذه اللجوء إلى استثمار محاولات العرقلة الميدانية المكرورة التي ترافق كل اتفاق من هذا النوع.
في هذا السياق، وجد عدد واسع من «الإعلاميين» متنفساً لهم في عدوان الطيران الأمريكي على نقطة للجيش السوري في دير الزور، وفي الهجوم (المجهول) الذي تعرضت له قافلة مساعدات في حلب. وبلغ الاستثمار الإعلامي في هذا السياق ذروته في المواجهة الدبلوماسية الروسية الأمريكية في جلسة مجلس الأمن مؤخراً. من يقوم الآن بجولة سريعة على معظم الفضائيات والصحف، والإذاعات (ورغم ما يبدو للوهلة الأولى كلها حول التمايزات بينها) سيصل إلى استنتاج مفاده أن الاتفاق قد فشل.. وأن الهدنة قد سقطت.. و«لا حول لنا ولا قوة»..! ستجدون أن «أخبار الفشل» (التي لا يعلم أحد مصادرها)، تطغى على سبيل المثال على الأخبار حول إعلان الممثل الروسي الدائم في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، مساء الخميس، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأمريكي، جون كيري، قد حققا تقدماً ملموساً في محادثاتهما حول سورية في نيويورك التي جرت اليوم.
السؤال: هل هؤلاء «الإعلاميون» ومشغليهم لا يدركون أن ما يفعلونه لم يعد يندرج بعد اليوم في إطار مهنة الإعلام، وأن ما يمارسونه من تضليل ورمي للقنابل الدخانية لا يقل في تأثيره قسوة وعنفاً عن رمي المدنيين بالقذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة؟ بلى، لكن القاعدة تبقى بالنسبة للجزء الأعظم المموَّل من الإعلام: «اكذب، واكذب، واكذب، حتى لا ينقطع عنك حبل التمويل».
سيبقى صوت هؤلاء يعلو محاولاً إقناع (المشاهد/ الفريسة): «لا تستمعوا بعد اليوم إلى بوتين وأوباما ولافروف وكيري وبان كي مون ودي ميستورا وتشوركين، فهم كلهم من طينة واحدة..! لقد جئناكم بـ«مصادرنا»، و«محللينا الاستراتيجيين»، لننقل لكم «الواقع» كما يجب أن تروه..!».
نقلا عن موقع قاسيون