المعارضة اللاوطنية.. إعادة إنعاش الميت

قديماً، وعلى مر العصور، كان يكفي إثبات تورط أي فصيل معارض في أي من بلدان العالم بالاجتماع مع ممثلي سفارة بلد أجنبي حتى يتم طي صفحة هذه المعارضة إلى الأبد، هذا ما يبدو مضحكاً بالنظر إلى آلية عمل بعض «المعارضات» خلال فترة الأزمة، خصوصاً منها من يحمل أجندة واضحة المعالم في تلبيتها لأطماع تاريخية أجنبية، بدءاً من إضعاف الدور الإقليمي لسورية في المنطقة، وإنتهاءاً بتقسيمها إلى دويلات قائمة على أساس إثني وعرقي وطائفي، مما يساهم بإعادة سورية إلى ما قبل عصر الدولة الوطنية.

المعارضة اللاوطنية وعقدة الثوابت

مع بدء الأزمة الوطنية العميقة التي تمر فيها البلاد، نشأ العديد من المكونات المعارضة للنظام السوري، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، وليس كل الداخلي وطنياً، وليس كل الخارجي عميلاً، وقد مرت المعارضة اللاوطنية في مسيرتها بالعديد من المطبات التي بدأت بالظهور معالم «نهاية مطافها»، فمنذ تأسيسها حملت هذه القوى مشروعاً غربياً لا يمت بصلة إلى الثوابت الوطنية التاريخية التي يحملها الشعب السوري، إنطلاقاً من الموقف المبدئي الداعم للقضية الفلسطينية والمُعادي للإحتلال الصهيوني للأراضي العربية، وانتهاءاً بالمعاداة المطلقة للإمبريالية الأمريكية وما تحمله من مشاريع تهدف إلى خلق كيانات تابعة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً إلى نفوذها المُطلق في المنطقة، من هنا سرعان ما بدأت تتشكل ملامح الرفض الشعبي الواضح والصريح لهكذا أنواع من المعارضة، وبدأ الخط الرفيع الفاصل ما بين المعارضة كمكون سياسي واضح المعالم والعمالة بوصفها نموذجاً يهدف إلى شرعنة نفسه تحت مسمى المعارضة بالوضوح للعلن، وهنا بدأت الأزمة الواضحة التي مرت بها هذه «المعارضة» والتي تتجلى في أنها قائمة بذاتها على أساس أنها فصيل سياسي ليس له أي كلمة في الداخل السوري إلا عبر السلاح الذي بات يفتك بأدنى مقومات العيش للمواطن السوري المعارض والموالي على حد سواء، إلتفافاً على هذه الأزمة تعمل المعارضة اللاوطنية حالياً على إعادة تشكيل نفسها في مظاهر جديدة ومتعددة، ففي العاصمة القطرية تجري اليوم عملية إعادة الصياغة الشاملة لهذه المعارضة، وقد حمل كلام وزيرة خارجية الولايات المتحدة الامريكية هيلاري كلينتون حول المؤتمر الذي تُقام فيه عملية إعادة الصياغة هذه رسالة واضحة إلى السوريين مفادها أن هذه المعارضة لم ولن تتعلم من أخطائها الماضية، ولن تستطع أن تخرج من إطارها الثابت المرسوم مُسبقاً من الرجعيات العربية والمعسكر الغربي المعادي للشعب السوري نظاماُ وشعباً ومعارضة وطنية، إن كل ما سبق يصلُ بنا إلى الحقيقة الثابتة والتي لم تشأ هكذا أنواع من المعارضة أن تتقيد بها أو أن تستفيد منها على أقل تقدير، مفادُ هذه الحقيقة أن من لا يأتمر بالثوابت الوطنية للشعب السوري بكافة جوانبها لن يكون مفتقراً إلى أية قدرة على التغيير في النسيج السياسي العام في سورية فحسب، بل سيكون خارجاً أصلاً من معادلات القبول الشعبي للتكتلات السياسية بمختلف اتجاهاتها الإيديولوجية.

 

المعارضة الوطنية.. مسؤوليات مضاعفة

في مقابل المسيرة السوداء للمعارضة اللاوطنية، نشأت التكتلات السياسية للمعارضة الوطنية في الداخل السوري أو الخارج على أساس الالتزام بالثوابت الوطنية، ولم تكن مسيرة هذه المعارضة خالية من المصاعب والمطبات التي واجهتها منذ بداية الأزمة السورية حتى اليوم، وتتمثل هذه المصاعب في فقدان بعض هذه المعارضة إلى البرنامج السياسي الواضح، أو اعتمادها على برنامج غير كامل في بعض الأحيان، أو غير معلن في أحيان أخرى، ويبقى هذا الواقع أكثر سهولة أمام الطامة الكبرى التي تعاني منها المعارضة الوطنية، والتي تتجسد في عدم تبلور الجسم الذي يضم هذه المعارضات على اختلافاتها في الرؤى والبرامج السياسية واتفاقها على المبادئ العامة التي تأتي في مقدمتها رفض التدخل الخارجي بكافة أشكاله، ورفض العنف من جميع أطراف الاقتتال في الداخل السوري، والحفاظ على وحدة الكيان السوري جغرافياً وسياسياً، ويثبت الواقع السوري اليوم أن التسريع في تبلور هذا الجسم الوطني الجامع ما بين أطراف المعارضة الوطنية هو خطوة أساس تُساهم في تأمين طريق الخروج الآمن من الأزمة السورية بأسرع وقت ممكن، وانطلاقاً من هذه الحقيقة يترتب على الأطراف التي عملت ولم تزل تعمل على عرقلة الجهود الرامية إلى توحيد كلمة المعارضة الوطنية تحمل المسؤولية في المساهمة بفتح الأفق أمام المزيد من العنف والاقتتال الطائفي الدائر في البلاد، وهذا ما يدعو اليوم جميع القوى الوطنية إلى تحمل مسؤولياتها أمام الشعب السوري عبر الخروج من منطق الإقصاء وعقلية الحزب القائد، والالتزام في الوقت عينه بمنطق الشراكة في العمل على كافة الجبهات الكفيلة بتحقيق خطوات من شأنها فتح الأبواب أمام الحل السياسي الشامل، مما يساعد على الانتقال من البحث عن سبل الخروج من الأزمة، إلى البحث عن آلية رسم صورة سورية الجديدة والتي لن تكون إلا تعبير عما يحمله هذا الشعب من مبادئ وطنية ثابتة وآمال لطالما حلم بها، وهنا تأتي الضرورة الوطنية اليوم، والمتمثلة بالحاجة إلى الانضمام الواسع إلى التكتلات السياسية المختلفة في البلاد، والانتقال من حالة «الحيادية السياسية» إلى الإنخراط الجدي والفاعل في العمل السياسي، مما يضمن التمثيل الشعبي الواسع الذي سيكون الأساس في أي تغيير حقيقي في سورية. %3