«الاستحقاق» في محاولة للقفز فوق الاستحقاق
اختتمت قمة القاهرة التي جمعت الفصائل الفلسطينية أعمالها بصدور البيان الختامي، الذي تضمن في بنوده الـ 15 إعلاناً عن الالتزام بإجراء الانتخابات بموعدها وما يرافقها من إجراءات "تضمن نجاح" هذه العملية.
اختتمت قمة القاهرة التي جمعت الفصائل الفلسطينية أعمالها بصدور البيان الختامي، الذي تضمن في بنوده الـ 15 إعلاناً عن الالتزام بإجراء الانتخابات بموعدها وما يرافقها من إجراءات "تضمن نجاح" هذه العملية.
بعد الأجواء الإيجابية عموماً- والعلنية على الأقل- والتي سادت عقب توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، واجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة مؤخراً، عادت الخلافات لتطفو على السطح، وذلك تزامناً مع استحقاقات تنفيذ ما اتفق عليه، وتبادل الاتهامات حول أسباب التعثر.
ديمة كتيلة
اجتمعت الفصائل الفلسطينية يومي 21 و22 تشرين الثاني في القاهرة، تلبية لدعوة مصرية بهدف إنهاء الانقسام، وإتمام اتفاق المصالحة، الموقع بين حركتي «فتح» و«حماس» الشهر الماضي، والذي فتح الطريق أمام تمكين حكومة «الوفاق» في غزة، وتسلمّها المعابر، بهدف تقييم ما تم إنجازه حتى الآن، مقابل وضع الآليات والجداول الزمنية اللازمة لاستكمال ما لم ينجز...
وُقّع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركة «حماس» والسلطة، يوم الخميس 12/10/2017 في القاهرة، في جو يسوده التفاؤل، حيث اعتبر الطرفان أن الاتفاق هو إنجاز وطني غير مسبوق، قد يطوي صفحة الانقسام للأبد، بعد خلافٍ دامَ حوالي عشر سنوات، ومحاولات عدّة لم تنجح في تحقيق المصالحة.
ثلاثة أسابيع ونيف، وجلسات الحوار الوطني الفلسطيني الذي انطلق من مدينة "رام الله" مستكملاً مداولاته في مدينة "غزة " بناءً على رغبة العديد من المشاركين فيه، لم تكن كافية لظهور "الدخان الأبيض" من غرفة الحوار. ومابين تلك الجلسة الكرنفالية التي شهدت خطاب الإنذار الرئاسي _ إما الاتفاق على وثيقة أسرى سجن "هداريم" خلال عشرة أيام أو ما تبعها من تمديد للفترة إلى أربعين يوماً إضافية وإلا الاستفتاء، والجلسة الخامسة أو السادسة التي ستنتهي فيها الحوارات، لتظهر للعلن حصيلة تلك الاجتماعات، في المؤتمر الصحفي أو "العرس الوطني" حسب تعبير أحد المشاركين، وثيقة أو برنامج "الإجماع الوطني". طوال تلك الأسابيع، لم تتحرك عقارب الزمن لوحدها، بل ارتبطت فيها وبها، عقول وقلوب الملايين من الصابرين الصامدين، وهي تراقب عبر الفضائيات والتصريحات "التعارضات والتناقضات" بين ماأطلق عليه البعض تجاوزاً "صراع الأخوة الأعداء". في المشهد الفلسطيني المألوف منذ عقود سالت الدماء الفلسطينية، لكن هذه المرة لم تكن فقط بصواريخ وفرق موت "أولمرت _ بيرتس _ بيريس" بل بأيد فلسطينية، نشرت الموت والدمار، وأباحت سفك الدم الفلسطيني على مذبح المشاريع الفئوية المشبوهة.
الخلافات العميقة بين الفصائل الفلسطينية المتحاورة، وخصوصا بين حركتي (فتح) و(حماس)، تجعل من الإغراق في التفاؤل توقع أن يخرج هذا الحوار بخطة متوافق عليها (ولا نقول متفقا عليها) ترضي جميع أطرافه، وتواجه الوضع الصعب والمأزوم الذي تعانيه جماهير الضفة والقطاع، وفي الوقت نفسه تحفظ للشعب الفلسطيني ثوابته، ولا تفرض عليه تنازلات جديدة تسد عليه سبل النضال وأبواب استرداد حقوقه الوطنية.
اللقاء الأخير الذي جمع «ثالوث المصالحة»، حركتي (فتح) و(حماس) والراعي المصري، مطلع شهر آب الجاري، أظهر أن الأطراف الثلاثة داخلة مع بعضها في مقايضات جعلت العملية في ضوئها وفي الإجمال تبدو ليس أكثر من مناورات متبادلة، لا تحمل في طياتها غير الوعود وتنتهي إلى صيغة وحيدة أصبحت معتمدة هي التأجيل.
جاءت نتائج اجتماعات الإطار المؤقت، المعني، بتفعيل وتطوير منظمة التحرير في القاهرة مؤخراً، خارج التوقعات التي حاول أن يسوقها لقاء عباس – مشعل في القاهرة قبل ثلاثة أسابيع من عقد الاجتماع القيادي. اليومان اللذان شهدا اللقاءات الثنائية الموسعة، ومن داخلهما كانت الساعات العشر التي التأم فيها اللقاء الجماعي، لم تكن كافية لتليين مواقف قطبي الخلاف، وغير قادرة على تبريد الرؤوس الحامية لدى الطرفين. هذه الرؤوس التي عكست درجة التشكيك لدى كل طرف، بالآخر، لدرجة ان أحد أبرز قادة حماس بالقطاع، تحدث ساخراً من النتائج المتوخاة من اللقاء " سأقطع يدي إذا نجحت المصالحة "!.
ترتفع هذه الأيام الأصوات التي تدعو إلى المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني. وتأتي هذه الأصوات من جميع الاتجاهات: من طرفي النزاع الرئيسيين، حركتي فتح وحماس، ومن الفصائل الأخرى، ومن الشارع حيث سارت مظاهرات ترفع شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام»، على غرار شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي رفعته الجماهير العربية في انتفاضاتها الراهنة.
تأتي المصالحة الفلسطينية في سياق تصاعد الحراك الجماهيري واتساعه في المنطقة العربية، وإذا كانت المصالحة وما تزال مطلباً وطنياً ملحاً، وبالأخذ بعين الاعتبار اتفاق المصالحة بشكله الحالي والنقاشات الدائرة حوله التي مازالت محصورة بالتحضير لانتخابات السلطة التشريعية والرئاسية وتشكيل حكومة «الوحدة» الوطنية و«مصالحة» أجهزة أوسلو في غزة والضفة، وتحديدا الأمنية منها، وبالعودة إلى طابع الخلاف الذي جرى بين قيادة فتح المتمثلة بفريق أوسلو وحركة حماس- هذا الخلاف الذي لم يكن «خناقة ولاد» وإنما خلاف بين خطين متضادين على طول الخط، فإن التساؤل حول عمق هذه المصالحة وقابليتها للاستمرار تغدو مشروعة لا بل ضرورية.