اجتماعات القاهرة والمصالحة الموعودة!

جاءت نتائج اجتماعات الإطار المؤقت، المعني، بتفعيل وتطوير منظمة التحرير في القاهرة مؤخراً، خارج التوقعات التي حاول أن يسوقها لقاء عباس – مشعل في القاهرة قبل ثلاثة أسابيع من عقد الاجتماع القيادي. اليومان اللذان شهدا اللقاءات الثنائية الموسعة، ومن داخلهما كانت الساعات العشر التي التأم فيها اللقاء الجماعي، لم تكن كافية لتليين مواقف قطبي الخلاف، وغير قادرة على تبريد الرؤوس الحامية لدى الطرفين. هذه الرؤوس التي عكست درجة التشكيك لدى كل طرف، بالآخر، لدرجة ان أحد أبرز قادة حماس بالقطاع، تحدث ساخراً من النتائج المتوخاة من اللقاء " سأقطع يدي إذا نجحت المصالحة "!.

للوهلة الأولى، اعتقد البعض، أن ماحققه كل طرف من إنجازات خلال الأشهر القليلة الماضية، ستكون قادرة على إعادة الزخم لمواقفه، وعلى تحسين "شروطه" في المعركة الداخلية!. اعتقد عباس وفريقه، أن الاعتراف المنقوص بـ "الدولة/المحمية" سيعزز من مواقعه، ويعيد تشكيل التفاهمات على "مقاساته"، خاصة، بعد الحشد الكبير الذي شهدته إحدى ساحات غزة بذكرى إنطلاقة فتح، الذي يجب أن تتم قراءته من خلال إعادة التأكيد على صوابية وصدقية نهج الكفاح المسلح في الصراع مع العدو، وعلى توجيه رسالة للحزب الحاكم، بالقطاع، بأن الاحتفال بالذكرى، بهذا الاستعراض البشري الهائل _ الذي فاجأ قادة السلطة والحركة_ هو احتجاج الكتلة االشعبية بميلاد "الخصم"، على إدارة السلطة الحاكمة. في الجانب المقابل، ذهبت حماس للاجتماع محمولة على صمود القطاع، بجماهيره وقواه المقاتلة، بوجه الحرب العدوانية الإجرامية التي قام بها جيش العدو ضد غزة الصامدة. يخطىء البعض في هذا الجانب إذا اعتقد أن "الإنجاز" كان "فئوياً" فقط، وبأن حصاد هذا الفعل الاستثنائي في الوصول لقلب "الكيان /الثكنة "، والصمود الأسطوري للشعب على ترابه الوطني، هو ملكية حصرية لهذا الفصيل أو ذاك.

في ظل هذه المقدمات ذهبت وفود القوى المدعوة، للاجتماع، بتفاؤل، ظهر في تصريحات معظم المشاركين.هذا التفاؤل لم يكن عاكساً حقيقياً لمواقف العديد من المواطنين الذي التقتهم بعض وسائل الإعلام، والذين عبّروا عن حالة شعبية واسعة، فقدت اهتمامها بمثل تلك اللقاءات، لتكرارها الرتيب والممل، وعدم وصولها لنتائج. لكن أجواء اللقاءات، كانت أقرب لنبض الشارع الحقيقي، وهو ماأكدته مقابلات بعض الحاضرين مع وسائل الإعلام. نايف حواتمة صرح لمندوب وكالة الأناضول يوم 9 / 2" يحزنني القول إننا قد لانصل إلى توافق لا اليوم ولا غداً بشأن تنفيذ مانص عليه اتفاق القاهرة في مايو / أيار 2011" مضيفاً " بقي كل شيء معلقاً ولم نصل إلى نتائج ملموسة تؤدي فعلياً إلى خطاً حقيقية لإنهاء الإنقسام". كما أدلى ماهر الطاهر، مسؤول الجبهة الشعبية في الخارج،  بتصريح مقتضب قال فيه "رغم الأجواء الإيجابية التي سادت اللقاءات إلا أن المسألة تتطلب الانتقال من إدارة الانقسام إلى العمل على إنهائه". أما قادة الحركتين، فقد ألقى كل منهما " تعثر" الاجتماع، على الطرف الآخر .

أبرز نقاط الخلاف بين حركتي "فتح" و"حماس"، التي مازالت تعيق إتمام المصالحة، وفق مشاركين في الاجتماع تمحورت حول قضايا عديدة، منها، نظام آلية الانتخابات: لجنة واحدة أم عدة لجان، التمثيل النسبي، القوائم، عدد الدوائر. توقيت إعلان تشكيل الحكومة والدعوة للانتخابات: متزامنة، أم منفصلة. وأشكال المقاومة: شعبية سلمية فقط، أم متعددة.

غادر المجتمعون قاعات الاجتماعات، بقليل من الأمل والكثير من التشاؤم. لم تعد الاجتماعات مجالاً للحوار، بمقدار ما أصبحت ساحات تشكيك كل فريق بالآخر، ومنصات إطلاق للاتهامات والاتهامات المضادة. وهو ما ظهر سريعاً في وسائل الإعلام. حركة حماس، اتهمت " أبومازن  بالتنصّل من الاتفاق الموقع بين الفصائل، بإصراره على تغيير قانون الانتخابات، ورفضه تشكيل الحكومة قبل زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، في النصف الثاني من الشهرالقادم، باعتبار أنه لا يستطيع تحمل تبعات سياسة الحكومة التي سيشكلها، والتي ستضم مؤيدين لحماس، لأنها ستكون كفيلة بإفساد جولة أوباما للمنطقة ".

 بدورها اتهمت حركة فتح، حماس، بـ "أنها هي من تقوم بتعطيل المصالحة باعتبارها انتقلت منذ العام 2005، من صراع ضد السلطة إلى الصراع عليها، ومن صراع ضد المنظمة إلى المنافسة عليها أيضاً" و" أن حماس باتت تغريها السلطة ولكنها تخشى الانتخابات في هذه الفترة، وهي تترقب التغيرات الإقليمية الجارية فى المنطقة، لأنها تشعر أنها تصب في مصلحتها".

أمام هذا المشهد، تأكد لكل الحريصين على التطوير والتفعيل الحقيقي/الثوري للمنظمة، عبثية تلك اللقاءات وبؤس نتائجها. فالقضايا والمحاور التي ناقشها المجتمعون، غاب عنها إسقاط " اتفاق إعلان المبادىْ" السبب المباشر لكل الكوارث المتلاحقة بحق شعبنا وقضيته،  واختفى من بنودها موضوع " الولاء الأمني للمحتل " المسمى زوراً  "التنسيق الأمني".

إن "عملية المصالحة" المستمرة منذ سنوات، بآلياتها، ببرامجها، وبالفئوية والمحاصصة المهيمنة على توجهات قطبيها، لاتؤسس لوحدة وطنية حقيقية، تنطلق من الحقوق الثابتة للشعب، التي تضمنها "ميثاق المنظمة"، العقد السياسي/الكفاحي لكل القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية.

إن التناقض الصارخ مابين نهج التسوية والاستسلام من جهة، ونهج المقاومة المتعدد الأشكال والأساليب، وفي المقدمة منه، الكفاح المسلح من جهة أخرى، هو جذر الخلاف في الساحة الفلسطينية، بشكل خاص، وفي الساحة السياسية العربية بشكل عام. لهذا، فإن الاتفاق على برنامج المواجهة والتحرير، بما يفرضه من شروط وآليات عمل، سياسية/ كفاحية /مجتمعية  هو الجدير بالنقاش الشعبي العام، لأنه هو الكفيل بوضع الشعب الفلسطيني أمام مسؤولياته، التي تتجاوز" آلية الانتخابات، وحصص القوى!".