«المصالحة الفلسطينية»... ضرورات المرحلة وألغامها؟
اجتمعت الفصائل الفلسطينية يومي 21 و22 تشرين الثاني في القاهرة، تلبية لدعوة مصرية بهدف إنهاء الانقسام، وإتمام اتفاق المصالحة، الموقع بين حركتي «فتح» و«حماس» الشهر الماضي، والذي فتح الطريق أمام تمكين حكومة «الوفاق» في غزة، وتسلمّها المعابر، بهدف تقييم ما تم إنجازه حتى الآن، مقابل وضع الآليات والجداول الزمنية اللازمة لاستكمال ما لم ينجز...
عُقد الاجتماع بحضور 13 فصيلاً فلسطينياً، وفي ظل الحديث عن خطة أمريكية، ومحاولات فرض حل إقليمي، يستجيب لمخططات الاحتلال، الهادفة إلى تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ومن هنا، فإن أمام القوى الفلسطينية اليوم استحقاقات كبرى، تتعلق بضرورة بلورة رؤية وطنية مشتركة، تحظى بتأييد الشعب الفلسطيني، يتم فيها التوافق حول الثوابت الوطنية، والأهداف في أي حل سياسي محتمل، فهل استطاعت الفصائل الفلسطينية في القاهرة أن تكون على قدر المطلوب منها؟
الضغوط الأمريكية وصفقة «القرن»
الخطة الأمريكية التي كشفت عنها صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن مسؤولين في البيت الأبيض: يتم العمل عليها من قبل الرئيس ترامب وفريقه، وتتمحور حول حل الدولتين، وهي ذاتها ما تداولته وسائل الإعلام تحت مسمى «صفقة القرن»، رغم عدم الإعلان عنها رسمياً حتى الآن.
من جهة أخرى، فإن المملكة العربية السعودية، التي تشهد تغيرات داخلية، وتقود تصعيداً إقليمياً ضد إيران لتغيير موازين القوى في المنطقة، بأدوات قطرية يمنية ولبنانية، تظهر مؤشرات دخولها على خط الحل الفلسطيني المطروح أمريكياً، وهو ما ظهر مؤخراً بزيارة، جاريد كوشنر، أحد أعضاء الفريق الأمريكي الذي يعمل على وضع الخطة، إلى السعودية، ليتبعها زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وفي هذا السياق، يمكن القول: إن القضية الفلسطينية ليست بمنأى عن السعي السعودي، لقلب موازين القوى في المنطقة، بما يتوافق مع الصالح الأمريكي، واستخدام أسلوبها بالضغط لتنفيذ تلك المساعي.
ذلك بالتكامل مع الضغوط الأمريكية، لفرض اعتباراتها في حل القضية الفلسطينية، والذي ظهر بدايةً من خلال رفض تمديد فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، الذي قابله تهديد فلسطيني بقطع الاتصالات كافة مع إدارة، ترامب، لحين إعادة فتح المكتب، بالإضافة إلى إعلان وزارة الخارجية الروسية: أن الولايات المتحدة رفضت العمل على صياغة مشروع بيان صحفي، طرحته موسكو والقاهرة في مجلس الأمن الدولي، يرحب باتفاق «إنهاء الانقسام الفلسطيني»، بحجة «نقاط الغموض المتبقية في تطبيق الاتفاق».
استحقاقات الداخل الفلسطيني
بالعودة إلى اجتماع القاهرة، وبيانه الختامي، الذي خرج بتوافق فلسطيني على سبعة محاور، وصفها الكثيرون بالعمومية، دون وضع جداول زمنية، أو التطرق لموضوع رفع العقوبات عن غزة، فإن أهم ما جاء فيه هو:
أكّد المجتمعون على: أهمية الوحدة الوطنية، بما يعزز نضال الشعب الفلسطيني في الوطن والمنفى، من أجل تحرير أرضه، وإنجاز حقه في الحرية والعودة والاستقلال، وعلى ضرورة ممارسة حكومة «الوفاق» لصلاحياتها في قطاع غزة والقيام بمسؤولياتها، كما تمت دعوة لجنة الانتخابات المركزية، والجهات المعنية لإنجاز أعمالها التحضيرية كافة، لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في موعد أقصاه نهاية 2018، وأكد المجتمعون على ضرورة الإسراع بخطوات تطوير وتفعيل منظمة التحرير، وفقاً لإعلان القاهرة عام 2005، وعلى دعوة لجنة تطوير وتفعيل المنظمة للاجتماع في سبيل تحقيق ذلك، بالإضافة إلى الحديث عن الحريات، والمصالحة المجتمعية، وأيضاً على استئناف اجتماعاتهم بداية شهر شباط المقبل، لاستكمال وضع الخطوات والآليات العملية لإنجاز الملفات كافة بما ورد بالتنسيق مع القيادة المصرية كله.
ومن الجدير بالذكر هنا، دفع مصر لجهود المصالحة قدماً، ولعب دور أساسي في هذا الملف، بالإضافة إلى ملفات عدة في المنطقة، بعد أن أكد، عزام الأحمد، رئيس وفد حركة «فتح»، من القاهرة: أن جهات عدة عرقلت جهود إنهاء الانقسام سابقاً، مؤكداً أنه بالإضافة إلى الكيان الصهيوني، كان لقوى عربية دورٌ سلبيٌ في ذلك، كما كان ولا زال هنالك دورٌ سلبيٌ لقوى إقليمية ودولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومقابل الحالة الإيجابية المتمثلة بالدور المصري، والبيان الختامي الذي يظهر توافقاً فلسطينياً على نقاط محددة، أكدت حركة «الجهاد الإسلامي»، أنها رفضت ما جاء في البيان الختامي للقاء الفصائل في القاهرة، حول قبول دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 67، وشدد مسؤول المكتب الإعلامي للحركة، داود شهاب، في تصريح له، على موقف حركة «الجهاد» الثابت، من أن أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر حق للشعب الفلسطيني، وأن الحركة ترفض القبول بدولة بحدود 67 تحت أي ظرف من الظروف.
الفرص المتاحة
أمام الفلسطينيين اليوم الكثير للتوافق حوله، وإن تم التوصل إلى تفاهمات حول الانتخابات، والمعابر، والحريات وغيرها... فإن قضايا كبرى وجوهرية، لا تزال تحتاج إلى حوار، مثل: الحدود التي لا يمكن التنازل عنها، وأدوات تطبيق حق اللاجئين في العودة، ووقف الاستيطان، والمقاومة وأدواتها في سبيل تحقيق ذلك، الخ.....
لقد أبدى، عباس، استعداده لعقد «صفقة سلام» تاريخية مع الكيان الصهيوني، تحت رعاية الرئيس الأميركي، ترامب، قائلاً في كلمة أمام البرلمان الإسباني: إن السلطة لا تزال تسعى إلى إقامة «دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود الرابع من حزيران 1967، يعيش فيها الشعب الفلسطيني بحرية وكرامة إلى جانب دولة «إسرائيل».
إن «صفقة» برعاية أمريكية- سعودية لا يمكن أن تضمن للشعب الفلسطيني أن يعيش بحرية وكرامة، وهو ما أثبتته التجربة الطويلة لنضال هذا الشعب، لكن المتغير الذي يجب الاستناد عليه اليوم، هو: التراجع الأمريكي، الداعم التاريخي للكيان الصهيوني، وتراجع أدواته في المنطقة، مقابل صعود قوى جديدة بمشاريع جديدة، أي أن تغير موازين القوى عالمياً اليوم، ينحو لغير صالح الكيان، وهو ما يتيح للفلسطينيين رفع سقف مطالبهم، وعدم الرضوخ للضغوط، لتحصيل أقل مما يمكن تحصيله اليوم.
بناءً على ما سبق، إن الأجواء الإقليمية الدولية اليوم، تتطلب ليس فقط وحدة الداخل الفلسطيني، بل أيضاً توحيد الرؤى الفلسطينية حول الثوابت الوطنية، والتي لا يمكن التنازل عنها تحت أي ضغط كان، وخاصة في ظل التصعيد الإقليمي الذي تقوده السعودية، والحديث عن «صفقة القرن» الأمريكية، بالاستفادة من التجربة الطويلة للمفاوضات المرعية أمريكياً، ذلك في الوقت الذي أصبح فيه الحديث عن أفول الكيان الصهيوني أمراً ممكناً، وهو ما تطرحه اليوم العديد من نخب الكيان، متسائلة عن قدرته على الاستمرار، في ظل التحولات الكبرى الجارية على الصعيد العالمي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 838