«الاستحقاق» في محاولة للقفز فوق الاستحقاق

«الاستحقاق» في محاولة للقفز فوق الاستحقاق

اختتمت قمة القاهرة التي جمعت الفصائل الفلسطينية أعمالها بصدور البيان الختامي، الذي تضمن في بنوده الـ 15 إعلاناً عن الالتزام بإجراء الانتخابات بموعدها وما يرافقها من إجراءات "تضمن نجاح" هذه العملية.

تقول التجربة السياسية لكل القوى التقدمية في العالم، أن تراجع الخصم وتفاقم أزماته، يفرض التصعيد وتكثيف الضربات الموجّهة إليه، لكن وعلى ما يبدو، لم تحسم الفصائل الفلسطينية أمرها بعد في هذا الخصوص. فنحن نشهد اليوم أزمة كبرى للرأسمالية العالمية تظهر أوضح تجلياتها في أزمة الولايات المتحدة الأمريكية، الاقتصادية والسياسية، وتترك هذه الأزمات بظلها الثقيل على الكيان الصهيوني الذي يعيش أياماً عصيبة لم يشهدها من قبل، لكن ومع ذلك تبقى الفصائل الفلسطينية – إن وضعنا حسن النوايا - بموقع المتأثر ولا تثق بقدرتها على التأثير في مجرى الأحداث.

الانتخابات وما حولها

أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوماً في 15 كانون الثاني، يعلن فيه عن مواعيد لإجراء انتخابات شاملة، رئاسية وبرلمانية، وانتخابات للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، على أن تتم هذه الانتخابات على ثلاث مراحلة أساسية لتبدأ بالتشريعية في 22 أيار، ثم الانتخابات الرئاسية في 31 تموز، ليتبعها انتخابات المجلس الوطني في شهر آب من العام الجاري. يعتبر الإعلان عن مواعيد الانتخابات خطوة إيجابية، هذا ما لا يمكن إنكاره، ولا يفيد الحكم على العملية بالفشل قبل أن تبدأ، لكن من الضروري أيضاً أن نسأل؛ هل تحمل هذه الانتخابات بذور النجاح أصلاً؟ هل تتحول هذه العملية إلى طريقٍ معبّدة تمر فوقها المصالحة الفلسطينية التي طال انتظارها؟ أما أنها محاولة للتأجيل كل الملفات العالقة هرباً مما سوف يترتب على مجابهة الواقع القاسي؟

ففي البداية لم ينتج عن الإعلان عن الانتخابات، والبيان الختامي الصادر عن قمة القاهرة الارتياح المتوقع، فالإعلان شيء، أما إجراء الانتخابات فعلاً فشيء آخر تماماً، فبعض المراقبين يرى أن آلاف العقبات قد توضع في وجه هذه العملية ليبقى المرسوم حبراً على ورق. مثل أن يؤكد البيان على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس دون الإشارة إلى كيفية فرض ذلك على الاحتلال! فعلى الرغم من أن البيان يشمل العديد من التفاصيل ترتبط بإطلاق الحريات السياسية والتزام السلطة الفلسطينية والأطراف الأخرى بإجراءات الثقة إلا أنه لا يوجد ضمانات حقيقة لعدم تحول هذه الانتخابات إلى سبب جديد للانقسام وخصوصاً مع إعلان الجهاد الإسلامي لعدم مشاركتها في هذه العملية ورفضت في بيانها أن تكون جزءاً من انتخابات «مسقوفة باتفاق أوسلو الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابت»، ومن جانبٍ آخر لم يوضّح البيان الختامي كيفية إجراء انتخابات المجلس الوطني، وهو الذي يفترض أن يشارك فيه كل الفلسطينيين أين ما كانوا، فمهام المجلس الوطني تتضمن وضع برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، واكتفى البيان الختامي بكلام عام وملتبس حين أشار إلى: «إجراء الانتخابات حيثما أمكن والتوافق حيث لا يمكن»  دون مزيد من الإيضاحات.

أسئلة تنتظر الإجابات

نستطيع قراءة الكثير من المقالات التحليلية التي تحاول توقع سير عملية الانتخابات، وتلك التي تحاول صياغة سيناريوهات متوقعة لنتائج هذه العملية على كامل البنية السياسية للفصائل، وعلى الرغم من أن بعض هذه المقالات يستحق القراءة، إلا أن الشارع الفلسطيني وكل المدافعين عن القضية الفلسطينية ينتظرون إجابات أشمل. فإعادة توحيد الفصائل هو بلا شك مطلبٌ شعبي، لكن المطلوب لا توحيد الفصائل فحسب، بل المطلوب أن نسأل ما البرنامج الذي ستتم تحته هذه المصالحة، فالانتخابات التي يحاول البعض تصويرها «كعرسٍ وطني» تتجاهل حتى اللحظة بعض القضايا المحورية، فهل ينتظر الشعب الفلسطيني مصالحة لفصائل تقبل بالاحتلال، وتتمسك باتفاقية أوسولو؟ هل تقبل الفصائل التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال؟ ماذا عن خيار المقاومة المسلحة الشرعية؟ هل المطلوب أن يكون للمقاومة الفلسطينية قيادة واحدة؟ أم المطلوب هو أن تلتزم «القيادة» بخيار الشعب الفلسطيني بتحرير الأرض؟ كل هذه الأسئلة وغيرها لا تغيب عن الاذهان. المؤشرات لا تدل حتى اللحظة إلى الشكل النهائي الذي يمكن أن تجري حسبه الأمور. لكن مؤشرات كثيرة أخرى لا تبشر بالخير! فلا تزل قوى تتوقع تحولاً في السياسية الأمريكية لصالح القضية الفلسطينية، كما لو أن ترامب كان النقطة السوداء الوحيدة في تاريخ الدور الأمريكي. أو أن تتمنى مثلاً دعماً صهيونياً للانتخابات الفلسطينية!

فالواقع يقول: لتكون هذه الانتخابات خطوة إلى الأمام فعلاً، يجب أن تكون في عكس اتجاه الاحتلال والولايات المتحدة، ويقول أيضاً أن للمصالحة الفلسطينية شكلٌ وحيد، وهو ذلك المعبر عن إرادة الشعب، فالهياكل السياسية الموجودة اليوم والتي يفترض منها تمثيل الشعب الفلسطيني يجب أن تتخلى كلياً عن إرث مرحلة التراجع، وأن تنطلق لموقع الهجوم عبر جبهة واحدة تستفيد من أزمة الولايات المتحدة وأزمة الكيان الصهيوني، تتمسك بالحقوق بما فيها حقّ المقاومة المسلحة، وأن لا تنتظر من الاحتلال أن ينهي نفسه! وينبغي قبل كل شيء، أن تدرك كل الهياكل السياسية القائمة أن الواقع لن ينتظر منهم إنجاز المهمة المطلوبة، بل سيمضي ويتركهم لمتاحف التاريخ، ويفسح المجال لأولئك القادرين على كل ذلك!